مملكة الياسر العظمة لعلوم الفلك والروحانيات Astronomy and Spirituality treat all kinds of magic
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.

مملكة الياسر العظمة لعلوم الفلك والروحانيات Astronomy and Spirituality treat all kinds of magic


الرئيسيةalyasserأحدث الصورالتسجيلدخول
مرحبا بك يازائر فى مملكة الياسر العظمة لعلوم الفلك والروحانيات والعلاج بالقران والاعشاب نقوم بادن الله بعلاج جميع انواع السحر السحر العلوى والسحر السفلى المحروق والمرشوش والمدفون والماكول والمشروب وسحر التخيل وسحر الجنون وسحر الهواتف والرقية الشرعية دكتورة فى علوم الفلك والروحانيات للتواصل معنا والاستعلام على الايميل Sakr11111@yahoo.com

 

 كتاب آداب النكاح

اذهب الى الأسفل 
كاتب الموضوعرسالة
sakr
المدير العام
المدير العام
sakr


ذكر عدد المساهمات : 1794
تاريخ التسجيل : 19/06/2011

كتاب آداب النكاح Empty
مُساهمةموضوع: كتاب آداب النكاح   كتاب آداب النكاح Icon_minitime1الجمعة أبريل 13, 2012 2:40 am


كتاب آداب النكاح
وهو الكتاب الثاني من ربع العادات من كتاب أحياء علوم الدين
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله الذي لا تصادف سهام الأوهام في عجائب صنعه مجرى ولا ترجع العقول عن أوائل بدائعها إلا والهة حيرى ولا تزال لطائف نعمه على العالمين تترى فهي تتوالى عليهم اختيارا وقهرا ومن بدائع ألطافه أن خلق من الماء بشرا فجعله نسبا وصهرا وسلط على الخلق شهوة اضطرهم بها الحراثة جبرا واستبقى بهم نسلهم إقهارا وقسرا ثم عظم أمر الأنساب وجعل لها قدرا فحرم بسببها السفاح وبالغ في تقبيحه ردعا وزجرا وجعل اقتحامه جريمة فاحشة وأمر إمرا وندب إلى النكاح وحث عليه استحبابا وأمرا فسبحان من كتب الموت على عباده فأذلهم به هدما وكسرا ثم بث بذور النطف في أراضي الأرحام وأنشأ منها خلقا وجعله لكسر الموت جبرا تنبيها على أن بحار المقادير فياضة على العالمين نفعا وضرا وخيرا وشرا وعسرا ويسرا وطيا ونشرا والصلاة والسلام على محمد المبعوث بالإنذار والبشرى وعلى آله وأصحابه صلاة لا يستطيع لها الحساب عدا ولا حصرا وسلم تسليما كثيرا
أما بعد فإن النكاح معين على الدين ومهين للشياطين وحصن دون عدو الله حصين وسبب للتكثير الذي به مباهاة سيد المرسلين لسائر النبيين فما أحراه بان تتحرى أسبابه وتحفظ سننه وآدابه وتشرح مقاصده وآرابه وتفصل فصوله وأبوابه والقدر المهم من أحكامه ينكشف في ثلاثة أبواب:
• الباب الأول في الترغيب فيه وعنه
• الباب الثاني في الآداب المرعية في العقد والعاقدين
• الباب الثالث في آداب المعاشرة بعد العقد إلى الفراق

الباب الأول في الترغيب في النكاح والترغيب عنه
اعلم أن العلماء قد اختلفوا في فضل النكاح فبالغ بعضهم فيه حتى زعم أنه أفضل من التخلي لعبادة الله واعترف آخرون بفضله ولكن قدموا عليه التخلي لعبادة الله مهما لم تتق النفس إلى النكاح توقانا يشوش الحال ويدعو إلى الوقاع وقال آخرون الأفضل تركه في زماننا هذا وقد كان له فضيلة من قبل إذ لم تكن الأكساب محظورة وأخلاق النساء مذمومة ولا ينكشف الحق فيه إلا بأن نقدم أولا ما ورد من الأخبار والآثار في الترغيب فيه والترغيب عنه ثم نشرح فوائد النكاح وغوائله حتى يتضح منها فضيلة النكاح وتركه في حق كل من سلم من غوائله أو لم يسلم منها
الترغيب في النكاح أما من الآيات فقد قال تعالى (وأنكحوا الأيامى منكم) وهذا أمر وقال تعالى (فلا تعضلوهن أن ينكحن أزواجهن) وهذا منع من العضل ونهي عنه وقال تعالى في وصف الرسل ومدحهم (ولقد أرسلنا رسلا من قبلك وجعلنا لهم أزواجا وذرية) فذكر ذلك في معرض الامتنان وإظهار الفضل ومدح أولياءه بسؤال ذلك في الدعاء فقال (والذين يقولون ربنا هب لنا من أزواجنا وذرياتنا قرة أعين) الآية ويقال إن الله تعالى لم يذكر في كتابه من الأنبياء إلا المتأهلين فقالوا إن يحيى صلى الله عليه وسلم قد تزوج ولم يجامع قيل إنما فعل ذلك لنيل الفضل وإقامة السنة وقيل لغض البصر وأما عيسى عليه السلام فإنه سينكح إذا نزل الأرض ويولد له.
وأما الأخبار فقوله صلى الله عليه وسلم (النكاح سنتي فمن رغب عن سنتي فقد رغب عني) وقال صلى الله عليه وسلم (النكاح سنتي فمن أحب فطرتي فليستن بسنتي) وقال أيضا صلى الله عليه وسلم (تناكحوا تكثروا فإني أباهي بكم الأمم يوم القيامة حتى بالسقط) وقال أيضا صلى الله عليه وسلم (من رغب عن سنتي فليس مني وإن من سنتي النكاح فمن أحبني فليستن بسنتي) وقال النبي صلى الله عليه وسلم (من ترك التزويج مخافة العيلة فليس منا) وهذا ذم لعلة الامتناع لا لأصل الترك وقال صلى الله عليه وسلم (من كان ذا طول فليتزوج) وقال (من استطاع منكم الباءة فليتزوج فإنه أغض للبصر وأحصن للفرج ومن لا فليصم فإن الصوم له وجاء) وهذا يدل على أن سبب الترغيب فيه خوف الفساد في العين والفرج والوجاء هو عبارة عن رض الخصيتين للفحل حتى تزول فحولته فهو مستعار للضعف عن الوقاع في الصوم وقال صلى الله عليه وسلم (إذا أتاكم من ترضون دينه وأمانته فزوجوه إلا تفعلوه تكن فتنة في الأرض وفساد كبير) وهذا أيضا تعليل الترغيب لخوف الفساد وقال صلى الله عليه وسلم (من نكح لله وأنكح لله استحق ولاية الله) وقال صلى الله عليه وسلم (من تزوج فقد أحرز شطر دينه فليتق الله في الشطر الثاني) وهذا أيضا إشارة إلى أن فضيلته لأجل التحرز من المخالفة تحصنا من الفساد فكأن المفسد لدين المرء في الأغلب فرجه وبطنه وقد كفى بالتزويج أحدهما وقال صلى الله عليه وسلم (كل عمل ابن آدم ينقطع إلا ثلاث ولد صالح يدعو له) ولا يوصل إلى هذا إلا بالنكاح.
وأما الآثار فقال عمر رضي الله عنه (لا يمنع من النكاح إلا عجز أو فجور) فبين أن الدين غير مانع منه وحصر المانع في أمرين مذمومين وقال ابن عباس رضي الله عنهما (لا يتم نسك الناسك حتى يتزوج) يحتمل أن جعله من النسك وتتمة له ولكن الظاهر أنه أراد به أنه لا يسلم قلبه لغلبة الشهوة إلا بالتزويج ولا يتم النسك إلا بفراغ القلب ولذلك كان يجمع غلمانه لما أدركوا عكرمة وكريبا وغيرهما ويقول إن أردتم النكاح أنكحتكم فإن العبد إذا زنى نزع الإيمان من قلبه وكان ابن مسعود رضي الله عنه يقول (لو لم يبق من عمري إلا عشرة أيام لأحببت أن أتزوج لكيلا ألقى الله عزبا) ومات امرأتان لمعاذ بن جبل رضي الله عنه في الطاعون وكان هو أيضا مطعونا فقال (زوجوني فإني أكره أن ألقى الله عزبا) وهذا منهما يدل على أنهما رأيا في النكاح فضلا لا من حيث التحرز عن غائلة الشهوة وكان عمر رضي الله عنه يكثر النكاح ويقول ما أتزوج إلا لأجل الولد.
وكان بعض الصحابة قد انقطع إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم يخدمه ويبيت عنده لحاجة إن طرقته فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم (ألا تتزوج) فقال يا رسول الله (إني فقير لا شيء لي وأنقطع عن خدمتك) فسكت ثم عاد ثانيا فأعاد الجواب ثم تفكر الصحابي وقال والله لرسول الله صلى الله عليه وسلم اعلم بما يصلحني في دنياي وآخرتي وما يقربني إلى الله مني ولئن قال لي الثالثة لأفعلن فقال له الثالثة (ألا تتزوج) قال فقلت يا رسول الله (زوجني) قال (اذهب إلى بني فلان فقل إن رسول الله صلى الله عليه وسلم يأمركم أن تزوجوني فتاتكم) قال فقلت (يا رسول الله لا شيء لي) فقال لأصحابه (اجمعوا لأخيكم وزن نواة من ذهب) فجمعوا له فذهبوا به إلى القوم فأنكحوه فقال له (أولم) وجمعوا له من الأصحاب شاة للوليمة. وهذا التكرير يدل على فضل في نفس النكاح ويحتمل أنه توسم فيه الحاجة إلى النكاح.
وحكى أن بعض العباد في الأمم السالفة فاق أهل زمانه في العبادة فذكر لنبي زمانه حسن عبادته فقال نعم الرجل هو لولا أنه تارك لشيء من السنة فاغتم العابد لما سمع ذلك فسأل النبي عن ذلك فقال أنت تارك للتزويج فقال لست أحرمه ولكني فقير وأنا عيال على الناس قال أنا أزوجك ابنتي فزوجه النبي عليه السلام ابنته.
وقال بشر بن الحرث فضل على أحمد بن حنبل بثلاث بطلب الحلال لنفسه ولغيره وأنا أطلبه لنفسي فقط ولاتساعه في النكاح وضيقي عنه ولأنه نصب إماما للعامة. ويقال إن أحمد رحمه الله تزوج في اليوم الثاني لوفاة أم ولده عبد الله وقال أكره أن أبيت عزبا وأما بشر فإنه لما قيل له إن الناس يتكلمون فيك لتركك النكاح ويقولون هو تارك للسنة فقال قولوا لهم هو مشغول بالفرض عن السنة وعوتب مرة أخرى فقال ما يمنعني من التزويج إلا قوله تعالى ولهن مثل الذي عليهن بالمعروف فذكر ذلك لأحمد فقال وأين مثل بشر إنه قعد على مثل حد السنان ومع ذلك فقد روي انه رؤي في المنام فقيل له ما فعل الله بك فقال رفعت منازلي في الجنة وأشرف بي على مقامات الأنبياء ولم أبلغ منازل المتأهلين وفي رواية قال لي ما كنت أحب أن تلقاني عزبا قال فقلنا له ما فعل أبو نصر التمار فقال رفع فوقي بسبعين درجة قلنا بماذا فقد كنا نراك فوقه قال بصبره على بنياته والعيال.
وقال سفيان بن عيينة كثرة النساء ليست من الدنيا لأن عليا رضي الله عنه كان أزهد أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم وكان له أربع نسوة وسبع عشرة سرية فالنكاح سنة ماضية وخلق من أخلاق الأنبياء وقال رجل لإبراهيم بن أدهم رحمه الله طوبى لك فقد تفرغت للعبادة بالعزوبة فقال لروعة منك بسبب العيال أفضل من جميع ما أنا فيه قال فما الذي يمنعك من النكاح فقال مالي حاجة في امرأة وما أريد أن أغر امرأة بنفسي.
وقد قيل فضل المتأهل على العزب كفضل المجاهد على القاعد وركعة من متأهل افضل من سبعين ركعة من عزب وأما ما جاء في الترهيب عن النكاح فقد قال صلى الله عليه وسلم (خير الناس بعد المائتين الخفيف الحاذ الذي لا أهل له ولا ولد) . وقال صلى الله عليه وسلم (يأتي على الناس زمان يكون هلاك الرجل على يد زوجته وأبويه وولده يعيرونه بالفقر ويكلفونه ما لا يطيق فيدخل المداخل التي يذهب فيها دينه فيهلك.) وفي الخبر قلة العيال أحد اليسارين وكثرتهم أحد الفقرين.
وسئل أبو سليمان الداراني عن النكاح فقال الصبر عنهن خير من الصبر عليهن والصبر عليهن خير من الصبر على النار وقال أيضا الوحيد يجد من حلاوة العمل وفراغ القلب ما لا يجد المتأهل وقال مرة ما رأيت أحدا من أصحابنا تزوج فثبت على مرتبته الأولى وقال أيضا ثلاث من طلبهن فقد ركن إلى الدنيا من طلب معاشا أو تزوج امرأة أو كتب الحديث.
وقال الحسن رحمه الله إذا أراد الله بعبد خيرا لم يشغله بأهل ولا مال. وقال ابن أبي الحوارى تناظر جماعة في هذا الحديث فاستقر رأيهم على انه ليس معناه أن لا يكونا له بل أن يكونا له ولا يشغلانه وهو إشارة إلى قول أبي سليمان الداراني ما شغلك عن الله من أهل ومال وولد فهو عليك مشئوم.
وبالجملة لم ينقل عن أحد الترغيب عن النكاح مطلقا إلا مقرونا بشرط وأما الترغيب في النكاح فقد ورد مطلقا ومقرونا بشرط. فلنكشف الغطاء عنه بحصر آفات النكاح وفوائده.
آفات النكاح وفوائده
وفيه فوائد خمسة:
1. الولد
2. وكسر الشهوة
3. وتدبير المنزل
4. وكثرة العشيرة
5. ومجاهدة النفس بالقيام بهن
الفائدة الأولى الولد وهو الأصل وله وضع النكاح والمقصود إبقاء النسل وأن لا يخلو العالم عن جنس الأنس وانما الشهوة خلقت باعثة مستحثة كالموكل بالفحل في إخراج البذر وبالأنثى في التمكين من الحرث تلطفا بهما في السياقة إلى اقتناص الولد بسبب الوقاع كالتلطف بالطير في بث الحب الذي يشتهيه ليساق إلى الشبكة وكانت القدرة الأزلية غير قاصرة عن اختراع الأشخاص ابتداء من غير حراثة وازدواج ولكن الحكمة اقتضت ترتيب المسببات على الأسباب مع الاستغناء عنها إظهارا للقدرة وإتماما لعجائب الصنعة وتحقيقا لما سبقت به المشيئة وحقت به الكلمة وجرى به القلم.
وفي التوصل إلى الولد قربة من أربعة أوجه هي الأصل في الترغيب فيه عند الأمن من غوائل الشهوة حتى لم يحب أحدهم أن يلقى الله عزبا.
الأول موافقة محبة الله بالسعي في تحصيل الولد لإبقاء جنس الإنسان
والثاني طلب محبة رسول الله صلى الله عليه وسلم في تكثير من مباهاته
والثالث طلب التبرك بدعاء الولد الصالح بعده
والرابع طلب الشفاعة بموت الولد الصغير إذا مات قبله.
أما الوجه الأول فهو أدق الوجوه وأبعدها عن أفهام الجماهير وهو أحقها وأقواها عند ذوي البصائر النافذة في عجائب صنع الله تعالى ومجاري حكمه وبيانه أن السيد إذا سلم إلى عبده البذر وآلات الحرث وهيأ له أرضا مهيأة للحراثة وكان العبد قادرا على الحراثة ووكل به من يتقاضاه عليها فإن تكاسل وعطل آلة الحرث وترك البذر ضائعا حتى فسد ودفع الموكل عن نفسه بنوع من الحيلة كان مستحقا للمقت والعتاب من سيده والله تعالى خلق الزوجين وخلق الذكر والأنثيين وخلق النطفة في الفقار وهيأ لها في الأنثيين عروقا ومجاري وخلق الرحم قرارا ومستودعا للنطفة وسلط متقاضي الشهوة على كل واحد من الذكر والأنثى.
فهذه الأفعال والآلات تشهد بلسان ذلق في الإعراب عن مراد خالقها وتنادي أرباب الألباب بتعريف ما أعدت له هذا إن لم يصرح به الخالق تعالى على لسان رسوله صلى الله عليه وسلم بالمراد حيث قال تناكحوا تناسلوا فكيف وقد صرح بالأمر وباح بالسر فكل ممتنع عن النكاح معرض عن الحراثة مضيع للبذر معطل لما خلق الله من الآلات المعدة وجان على مقصود الفطرة والحكمة المفهومة من شواهد الخلقة المكتوبة على هذه الأعضاء بخط إلهي ليس برقم حروف وأصوات يقرؤه كل من له بصيرة ربانية نافذة في إدراك دقائق الحكمة الأزلية.
ولذلك عظم الشرع الأمر في القتل للأولاد وفي الوأد لأنه منع لتمام الوجود وإليه أشار من قال العزل أحد الوأدين فالناكح ساع في إتمام ما أحب الله تعالى تمامه والمعرض معطل ومضيع لما كره الله ضياعه ولأجل محبة الله تعالى لبقاء النفوس أمر بالإطعام وحث عليه وعبر عنه بعبادة القرض فقال من ذا الذي يقرض الله قرضا حسنا فإن قلت قولك إن بقاء النسل والنفس محبوب يوهم أن فناءها مكروه عند الله وهو فرق بين الموت والحياة بالإضافة إلى إرادة الله تعالى ومعلوم أن الكل بمشيئة الله وإن الله غني عن العالمين فمن أين يتميز عنده موتهم عن حياتهم أو بقاؤهم عن فنائهم فاعلم أن هذه الكلمة حق أريد بها باطل فإن ما ذكرناه لا ينافي إضافة الكائنات كلها إلى إرادة الله خيرها وشرها ونفعها وضرها ولكن المحبة والكراهية يتضادان وكلاهما لا يضادان الإرادة فرب مراد مكروه ورب مراد محبوب فالمعاصي مكروهة وهي مع الكراهة مرادة والطاعات مرادة ومزمع كونها مرادة محبوبة ومرضية أما الكفر والشر فلا نقول إنه مرضي ومحبوب بل هو مراد.
وقد قال الله تعالى ولا يرضى لعباده الكفر فكيف يكون الفناء بالإضافة إلى محبة الله وكراهته كالبقاء فإنه تعالى يقول (ما ترددت في شيء كترددي في قبض روح عبدي المسلم هو يكره الموت وأنا أكره مساءته ولا بد له من الموت) فقوله لا بد له من الموت إشارة إلى سبق الإرادة والتقدير المذكور في قوله تعالى (نحن قدرنا بينكم الموت) وفي قوله تعالى (الذي خلق الموت والحياة) ولا مناقضة بين قوله تعالى (نحن قدرنا بينكم الموت) وبين قوله (وأنا أكره مساءته) ولكن إيضاح الحق في هذا يستدعي تحقيق معنى الإرادة والمحبة والكراهة وبيان حقائقها.
فإن السابق إلى الأفهام منها أمور تناسب إرادة الخلق ومحبتهم وكراهتهم وهيهات فبين صفات الله تعالى وصفات الخلق من البعد ما بين ذاته العزيز وذاتهم وكما أن ذوات الخلق جوهر وعرض وذات الله مقدس عنه ولا يناسب ما ليس بجوهر وعرض الجوهر والعرض فكذا صفاته لا تناسب صفات الخلق وهذه الحقائق داخلة في علم المكاشفة ووراء سر القدر الذي منع من إفشائه فلنقصر عن ذكره ولنقتصر على ما نبهنا عليه من الفرق بين الإقدام على النكاح والإحجام عنه.
فإن أحدهما مضيع نسلا أدام الله وجوده من آدم صلى الله عليه وسلم عقبا بعد عقب إلى أن انتهى إليه فالممتنع عن النكاح قد حسم الوجود المستدام من لدن وجود آدم عليه السلام على نفسه فمات أبتر لا عقب له ولو كان الباعث على النكاح مجرد دفع الشهوة لما قال معاذ في الطاعون (زوجوني لا ألقى الله عزبا) فإن قلت فما كان معاذ يتوقع ولدا في ذلك الوقت فما وجه رغبته فيه.
فأقول الولد يحصل بالوقاع بباعث الشهوة وذلك أمر لا يدخل في الاختيار وإنما المعلق باختيار العبد إحضار المحرك للشهوة وذلك متوقع في كل حال فمن عقد فقد أدى ما عليه وفعل ما إليه والباقي خارج عن اختياره ولذلك يستحب النكاح للعنين أيضا فإن نهضات الشهوة خفية لا يطلع عليها حتى إن الممسوح الذي لا يتوقع له ولد لا ينقطع الاستحباب أيضا في حقه على الوجه الذي يستحب للأصلع إمرار الموسى على رأسه اقتداء بغيره وتشبها بالسلف الصالحين.
وكما يستحب الرمل والاضطباع في الحج الآن وقد كان المراد منه أولا إظهار الجلد للكفار فصار الاقتداء والتشبه بالذين أظهروا الجلد سنة في حق من بعدهم ويضعف هذا الاستحباب بالإضافة إلى الاستحباب في حق القادر على الحرث وربما يزداد ضعفا بما يقابله من كراهة تعطيل المرأة وتضييعها فيما يرجع إلى قضاء الوطر فإن ذلك لا يخلو عن نوع من الخطر فهذا المعنى هو الذي ينبه على شدة إنكارهم لترك النكاح مع فتور الشهوة.
الوجه الثاني السعي في محبة رسول الله صلى الله عليه وسلم ورضاه بتكثير ما به مباهاته إذ قد صرح رسول الله صلى الله عليه وسلم بذلك ويدل على مراعاة أمر الولد جملة بالوجوه كلها ما روي عن عمر رضي الله عنه أنه كان ينكح كثيرا ويقول إنما أنكح للولد وما روي من الأخبار في مذمة المرأة العقيم إذ قال عليه السلام لحصير في ناحية البيت خير من امرأة لا تلد وقال خير نسائكم الولود الودود وقال سوداء ولود خير من حسناء لا تلد وهذا يدل على أن طلب الولد أدخل في اقتضاء فضل النكاح من طلب دفع غائلة الشهوة لأن الحسناء أصلح للتحصين وغض البصر وقطع الشهوة.
الوجه الثالث أن يبقى بعده ولدا صالحا يدعو له كما ورد في الخبر أن جميع عمل ابن آدم منقطع إلا ثلاثا فذكر الولد الصالح وفي الخبر إن الأدعية تعرض على الموتى على أطباق من نور وقول القائل إن الولد ربما لم يكن صالحا لا يؤثر فإنه مؤمن والصلاح هو الغالب على أولاد ذوي الدين لا سيما إذا عزم على تربيته وحمله على الصلاح وبالجملة دعاء المؤمن لأبويه مفيد برا كان أو فاجرا فهو مثاب على دعواته وحسناته فإنه من كسبه وغير مؤاخذ بسيئاته فإنه لا تزر وازرة وزر أخرى ولذلك قال تعالى ألحقنا بهم ذرياتهم وما ألتناهم من عملهم من شيء أي ما نقصناهم من أعمالهم وجعلنا أولادهم مزيدا في إحسانهم.
الوجه الرابع أن يموت الولد قبله فيكون له شفيعا فقد روي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال (إن الطفل يجر بأبويه إلى الجنة) . وفي بعض الأخبار (يأخذ بثوبه كما أنا الآن آخذ بثوبك) . وقال أيضا صلى الله عليه وسلم إن المولود يقال ادخل الجنة فيقف على باب الجنة فيظل محبنطئا أي ممتلئا غيظا وغضبا ويقول لا أدخل الجنة إلا وأبواي معي فيقال أدخلوا أبويه معه وفي خبر آخر إن الأطفال يجتمعون في موقف القيامة عند عرض الخلائق للحساب فيقال للملائكة اذهبوا بهؤلاء إلى الجنة فيقفون على باب الجنة فيقال لهم مرحبا بذراري المسلمين ادخلوا لا حساب عليكم فيقولون فأين آباؤنا وأمهاتنا فيقول الخزنة إن آباءكم وأمهاتكم ليسوا مثلكم إنه كانت لهم ذنوب وسيئات فهم يحاسبون عليها ويطالبون قال فيتضاغون ويضجون على أبواب الجنة ضجة واحدة فيقول الله سبحانه وهو أعلم بهم ما هذه الضجة فيقولون ربنا أطفال المسلمين قالوا لا ندخل الجنة إلا مع آبائنا فيقول الله تعالى تخللوا الجمع فخذوا بأيدي آبائهم فأدخلوهم الجنة.
وقال صلى الله عليه وسلم (من مات له اثنان من الولد فقد احتظر بحظار من النار) جاءت امرأة من الأنصار إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم (فقالت يا رسول الله إنه مات لي ابنان سوى هذا فقال لقد احتظرت من دون النار بحظار شديد) وقال صلى الله عليه وسلم (من مات له ثلاثة لم يبلغوا الحنث أدخله الله الجنة بفضل رحمته إياهم قيل يا رسول الله واثنان قال واثنان.)
وحكى أن بعض الصالحين كان يعرض عليه التزويج فيأبى برهة من دهره قال فانتبه من نومه ذات يوم وقال زوجوني زوجوني فزوجوه فسئل عن ذلك فقال لعل الله يرزقني ولدا ويقبضه فيكون لي مقدمة في الآخرة ثم قال رأيت في المنام كأن القيامة قد قامت وكأني في جملة الخلائق في الموقف وبي من العطش ما كاد أن يقطع عنقي وكذا الخلائق في شدة العطش والكرب فنحن كذلك إذ ولدان يتخللون الجمع عليهم مناديل من نور وبأيديهم أباريق من فضة وأكواب من ذهب وهم يسقون الواحد بعد الواحد يتخللون الجمع ويتجاوزون أكثر الناس فمددت يدي إلى أحدهم وقلت اسقني فقد أجهدني العطش فقال ليس لك فينا ولد إنما نسقي آباءنا فقلت ومن أنتم فقالوا نحن من مات من أطفال المسلمين.
وأحد المعاني المذكورة في قوله تعالى فأتوا حرثكم أنى شئتم وقدموا لأنفسكم تقديم الأطفال إلى الآخرة فقد ظهر بهذه الوجوه الأربعة أن أكثر فضل النكاح لأجل كونه سببا للولد الفائدة الثانية التحصن من الشيطان وكسر التوقان ودفع غوائل الشهوة وغض البصر وحفظ الفرج وإليه الإشارة بقوله عليه السلام (من نكح فقد حصن نصف دينه فليتق الله في الشطر الآخر) وإليه الإشارة بقوله (عليكم بالباءة فمن لم يستطع فعليه بالصوم فإن الصوم له وجاء.)
وأكثر ما نقلناه من الآثار والأخبار إشارة إلى هذا المعنى وهذا المعنى دون الأول لأن الشهوة موكلة بتقاضي تحصيل الولد فالنكاح كاف لشغله دافع لجعله وصارف لشر سطوته وليس من يجيب مولاه رغبة في تحصيل رضاه كمن يجيب لطلب الخلاص عن غائلة التوكيل فالشهوة والولد مقدران وبينهما ارتباط وليس يجوز أن يقال المقصود اللذة والولد لازم منها كما يلزم مثلا قضاء الحاجة منالأكل وليس مقصودا في ذاته بل الولد هو المقصودبالفطرة والحكمة والشهوة باعثة عليه.
ولعمري في الشهوة حكمة أخرى سوى الإرهاق إلى الإيلاد وهو ما في قضائها من اللذة التي لا توازيها لذة لو دامت فهي منبهه على اللذات الموعودة في الجنان إذ الترغيب في لذة لم يجد لها ذواقا لا ينفع فلو رغب العنين في لذة الجماع أو الصبي في لذة الملك والسلطنة لم ينفع الترغيب وإحدى فوائد لذات الدنيا الرغبة في دوامها في الجنة ليكون باعثا على عبادة الله فانظر إلى الحكمة ثم إلى الرحمة ثم إلى التعبية الإلهية كيف عبيت تحت شهوة واحدة حياتان حياة ظاهرة وحياة باطنة فالحياة الظاهرة حياة المرء ببقاء نسله فإنه نوع من دوام الوجود والحياة الباطنة هي الحياة الأخروية فإن هذه اللذة الناقصة بسرعة الانصرام تحرك الرغبة في اللذة الكاملة بلذة الدوام فيستحث على العبادة الموصلة إليها فيستفيد العبد بشدة الرغبة فيها تيسر المواظبة على ما يوصله إلى نعيم الجنان وما من ذرة من ذرات بدن الإنسان باطنا وظاهرا بل ذرات ملكوت السموات والأرض إلا وتحتها من لطائف الحكمة وعجائبها ما تحار العقول فيها.
ولكن إنما ينكشف للقلوب الطاهرة بقدر صفائها بقدر رغبتها عن زهرة الدنيا وغرورها وغوائلها فالنكاح بسبب دفع غائلة الشهوة مهم في الدين لكل من لا يؤتى عن عجز وعنة وهم غالب الخلق فإن الشهوة إذا غلبت ولم يقاومها قوة التقوى جرت إلى اقتحام الفواحش وإليه أشار بقوله عليه الصلاة والسلام عن الله تعالى (إلا تفعلوه تكن فتنة في الأرض وفساد كبير) وإن كان ملجما بلجام التقوى فغايته أن يكف الجوارح عن إجابة الشهوة فيغض البصر ويحفظ الفرج.
فأما حفظ القلب عن الوسواس والفكر فلا يدخل تحت اختياره بل لا تزال النفس تجاذبه وتحدثه بأمور الوقاع ولا يفتر عنه الشيطان الموسوس إليه في أكثر الأوقات وقد يعرض له ذلك في أثناء الصلاة حتى يجري على خاطره من أمور الوقاع ما لو صرح به بين يدي أخس الخلق لاستحي منه والله مطلع على قلبه والقلب في حق الله كاللسان في حق الخلق ورأس الأمور للمريد في سلوك طريق الآخرة قلبه والمواظبة على الصوم لا تقطع مادة الوسوسة في حق أكثر الخلق إلا أن ينضاف إليه ضعف في البدن وفساد في المزاج ولذلك قال ابن عباس رضي الله عنهما (لا يتم نسك الناسك إلا بالنكاح) وهذه محنة عامة قل من يتخلص منها.
قال قتادة في معنى قوله تعالى (ولا تحملنا ما لا طاقة لنا به) هو الغلمة وعن عكرمة ومجاهد أنهما قالا في معنى قوله تعالى (وخلق الإنسان ضعيفا) أنه لا يصبر عن النساء وقال فياض بن نجيح (إذا قام ذكر الرجل ذهب ثلثا عقله) وبعضهم يقول (ذهب ثلث دينه) وفي نوادر التفسير عن ابن عباس رضي الله عنهما (ومن شر غاسق إذا وقب) قال (قيام الذكر) وهذه يلية غالبة إذا هاجت لا يقاومها عقل ولا دين.
وهي مع أنها صالحة لأن تكون باعثة على الحياتين كما سبق فهي أقوى آلة الشيطان على بني آدم وإليه أشار صلى الله عليه وسلم بقوله (ما رأيت من ناقصات عقل ودين أغلب لذوي الألباب منكن.) وإنما ذلك لهيجان الشهوة.
وقال صلى الله عليه وسلم في دعائه (اللهم إني أعوذ بك من شر سمعي وبصري وقلبي وشر مني) وقال (أسألك أن تطهر قلبي وتحفظ فرجي.) فما يستعيذ منه رسول الله صلى الله عليه وسلم كيف يجوز التساهل فيه لغيره.
وكان بعض الصالحين يكثر النكاح حتى لا يكاد يخلو من اثنتين وثلاث فأنكر عليه بعض الصوفية فقال (هل يعرف أحد منكم أنه جلس بين يدي الله تعالى جلسة أو وقف بين يديه موقفا في معاملة فخطر على قلبه خاطر شهوة) فقالوا (يصيبنا من ذلك كثير) فقال (لو رضيت في عمري كله بمثل حالكم في وقت واحد لما تزوجت لكني ما خطر على قلبي خاطر يشغلني عن حالي إلا نفذته فأستريح وأرجع إلى شغلي ومنذ أربعين سنة ما خطر على قلبي معصية).
وأنكر بعض الناس حال الصوفية فقال له بعض ذوي الدين (ما الذي تنكر منهم) قال (يأكلون كثيرا) قال (وأنت أيضا لو جعت كما يجوعون لأكلت كما يأكلون) قال (ينكحون كثيرا) قال (وأنت أيضا لو حفظت عينيك وفرجك كما يحفظون لنكحت كما ينكحون).
وكان الجنيد يقول (أحتاج إلى الجماع كما أحتاج إلى القوت) فالزوجة على التحقيق قوت وسبب لطهارة القلب.
ولذلك أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم كل من وقع نظره على امرأة فتاقت إليها نفسه أن يجامع أهله، لأن ذلك يدفع الوسواس عن النفس.
وروى جابر رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم رأى امرأة فدخل على زينب فقضى حاجته وخرج وقال صلى الله عليه وسلم (إن المرأة إذا أقبلت أقبلت بصورة شيطان فإذا رأى أحدكم امرأة فأعجبته فليأت أهله معها مثل الذي معها.) وقال عليه السلام (لا تدخلوا على المغيبات وهي التي غاب زوجها عنها فإن الشيطان يجري من أحدكم مجرى الدم) قلنا (ومنك) قال (ومني ولكن الله أعانني عليه فاسلم) قال سفيان بن عيينة (فاسلم معناه فاسلم أنا منه) هذا معناه فان الشيطان لا يسلم وكذلك حكى علي ابن عمر رضي الله عنهما وكان من زهاد الصحابة وعلمائهم انه كان يفطر من الصوم على الجماع قبل الأكل وربما انه جامع ثلاثا من جواريه في شهر رمضان قبل العشاء الأخير.
وقال ابن عباس (خير هذه الأمة أكثرها نساء) ولما كانت الشهوة أغلب على مزاج العرب كان استكثار الصالحين منهم لنكاح أشد ولأجل فراغ القلب أبيح نكاح الأمة عند خوف العنت مع أن فيه إرقاق الولد وهو نوع اهلاك وهو محرم على كل من قدر على حرة ولكن إرقاق الولد أهون من إهلاك الدين وليس فيه إلا تنغيص الحياة على الولد مدة وفي اقتحام الفاحشة تفويت الحياة الاخروية التي تستحقر الأعمار الطويلة بالإضافة إلى يوم من أيامها.
وروي أنه انصرف الناس ذات يوم من مجلس ابن عباس وبقي شاب لم يبرح فقال له ابن عباس هل لك من حاجة قال نعم أردت أن اسأل مسألة فاستحييت من الناس وأنا الآن أهابك وأجلك فقال ابن عباس إن العالم بمنزلة الوالد فما كنت أفضيت به إلى أبيك فأفض إلي به فقال أني شاب لا زوجة لي وربما خشيت العنت على نفسي فربما استمنيت بيدي فهل في ذلك معصية فأعرض عنه ابن عباس ثم قال أف وتف نكاح الأمة خير منه وهو خير من الزنا) فهذا تنبيه على أن العزب المغتلم مردد بين ثلاثة شرور أدناها نكاح الأمة وفيه إرقاق الولد وأشد منه الاستمناء باليد وأفحشه الزنا.
ولم يطلق ابن عباس الإباحة في شيء منه لأنهما محذوران يفزع إليهما حذرا من الوقوع في محذور أشد منه كما يفزع إلى تناول الميتة حذرا من هلاك النفس فليس ترجيح اهون الشرين في معنى الإباحة المطلقة ولا في معنى الخير المطلق وليس قطع اليد المتأكلة من الخيرات وإن كان يؤذن فيه عند إشراف النفس على الهلاك. فإذا في النكاح فضل من هذا الوجه ولكن هذا لا يعم الكل بل الأكثر فرب شخص فترت شهوته لكبر سن أو مرض أو غيره فينعدم هذا الباعث في حقه ويبقى ما سبق من أمر الولد فإن ذلك عام إلا للممسوح وهو نادر ومن الطباع ما تغلب عليها الشهوة بحيث لا تحصنه المرأة الواحدة فيستحب لصاحبها الزيادة على الواحدة إلى الأربع فإن يسر الله له مودة ورحمة واطمأن قلبه بهن وإلا فيستحب له الاستبدال.
فقد نكح علي رضي الله عنه بعد وفاة فاطمة عليها السلام بسبع ليال ويقال إن الحسن بن علي كان منكاحا حتى نكح زيادة على مائتي امرأة وكان ربما عقد على أربع في وقت واحد وربما طلق أربعا في وقت واحد واستبدل بهن. وقد قال صلى الله عليه وسلم للحسن (أشبهت خلقي وخلقي.) وقال صلى الله عليه وسلم (حسن مني وحسين من علي) فقال إن كثرة نكاحه أحد ما أشبه به خلق رسول الله صلى الله عليه وسلم.
وتزوج المغيرة بن شعبة بثمانين امرأة وكان في الصحابة من له الثلاث والأربع ومن كان له اثنتان لا يحصى ومهما كان الباعث معلوما فينبغي أن يكون العلاج بقدر العلة فالمراد تسكين النفس فلينظر إليه في الكثرة والقلة الفائدة الثالثة ترويح النفس وإيناسها بالمجالسة والنظر والملاعبة إراحة للقلب وتقوية له على العبادة فإن النفس ملول وهي عن الحق نفور لأنه على خلاف طبعها فلو كلفت المداومة بالإكراه على ما يخالفها جمحت وثابت وإذا روحت باللذات في بعض الأوقات قويت ونشطت وفي الاستئناس بالنساء من الاستراحة ما يزيل الكرب ويروح القلب وينبغي أن يكون لنفوس المتقين استراحات بالمباحات، ولذلك قال الله تعالى (ليسكن إليها).
وقال علي رضي الله عنه (روحوا القلوب ساعة فإنها إذا أكرهت عميت) وفي الخبر (على العاقل أن يكون له ثلاث ساعات ساعة يناجي فيها ربه وساعة يحاسب فيها نفسه وساعة يخلو فيها مطعمه ومشربه فإن في هذه الساعة عونا على تلك الساعات) ومثله بلفظ آخر (لا يكون العاقل ظاعنا إلا في ثلاث تزود لمعاد أو مرمة لمعاش أو لذة في غير محرم) وقال صلى الله عليه وسلم (لكل عامل شرة ولكل شرة فترة فمن كانت فترته إلى سنتي فقد اهتدى) والشرة الجد والمكابدة بحدة وقوة وذلك في ابتداء الإرادة والفترة الوقوف للاستراحة.
وكان أبو الدرداء يقول إني لأستجم نفسي بشيء من اللهو لأتقوى بذلك فيما بعد على الحق وفي بعض الأخبار عن رسول الله صلى الله عليه وسلم (أنه قال شكوت إلى جبريل عليه السلام ضعفي عن الوقاع فدلني على الهريسة) إلا الاستعداد للاستراحة ولا يمكن تعليله بدفع الشهوة فإنه استثارة للشهوة ومن عدم الشهوة عدم الأكثر من هذا الأنس وقال صلى الله عليه وسلم ( حبب إلي من دنياكم ثلاث الطيب والنساء وقرة عيني في الصلاة) فهذه أيضا فائدة لا ينكرها من جرب إتعاب نفسه في الأفكار والأذكار وصنوف الأعمال وهي خارجة عن الفائدتين السابقتين حتى إنها تطرد في حق الممسوح ومن لا شهوة له إلا أن هذه الفائدة تجعل للنكاح فضيلة بالإضافة إلى هذه النية وقل من يقصد بالنكاح ذلك وأما قصد الولد وقصد دفع الشهوة وأمثالها فهو مما يكثر.
ثم رب شخص يستأنس بالنظر إلى الماء الجاري والخضرة وأمثالها ولا يحتاج إلى ترويح النفس بمحادثة النساء وملاعبتهن فيختلف هذا باختلاف الأحوال والأشخاص فليتنبه له الفائدة الرابعة تفريغ القلب عن تدبير المنزل والتكفل بشغل الطبخ والكنس والفرش وتنظيف الأواني وتهيئة أسباب المعيشة فإن الإنسان لو لم يكن له شهوة الوقاع لتعذر عليه العيش في منزله وحده إذ لو تكفل بجميع أشغال المنزل لضاع أكثر أوقاته ولم يتفرغ للعلم والعمل فالمرأة الصالحة للمنزل عون على الدين بهذه الطريق واختلال هذه الأسباب شواغل ومشوشات للقلب ومنغصات للعيش ولذلك قال أبو سليمان الداراني رحمه الله (الزوجة الصالحة ليست من الدنيا فإنها تفرغك للآخرة وإنما تفريغها بتدبير المنزل وبقضاء الشهوة جميعا).
وقال محمد بن كعب القرظي في معنى قوله تعالى (ربنا آتنا في الدنيا حسنة) قال (المرأة الصالحة). وقال صلى الله عليه وسلم (ليتخذ أحدكم قلبا شاكرا ولسانا ذاكرا وزوجة مؤمنة صالحة تعينه على آخرته.) فانظر كيف جمع بينها وبين الذكر والشكر وفي بعض التفاسير في قوله تعالى (فلنحيينه حياة طيبة) قال الزوجة الصالحة.
وكان عمر بن الخطاب رضي الله عنه يقول (ما أعطى العبد بعد الإيمان بالله خيرا من امرأة صالحة وإن منهن غنما لا يحذى منه ومنهن غلالا يفدي منه) وقوله لا يحذى أن يعتاض عنه بعطاء، وقال صلى الله عليه وسلم (فضلت على آدم بخصلتين كانت زوجته عونا له على المعصية وأزواجي أعوان لي على الطاعة، وكان شيطانه كافرا وشيطاني مسلم لا يأمر إلا بخير) فعد معاونتها على الطاعة فضيلة فهذه أيضا من الفوائد التي يقصدها الصالحون إلا أنها تخص بعض الأشخاص الذين لا كافل لهم ولا مدبر ولا تدعو إلى امرأتين بل الجمع ربما ينغص المعيشة ويضطرب به أمور المنزل ويدخل في هذه الفائدة قصد الاستكثار بعشيرتها وما يحصل من القوة بسبب تداخل العشائر فإن ذلك مما يحتاج إليه في دفع الشرور وطلب السلامة ولذلك قيل ذل من لا ناصر له ومن وجد من يدفع عنه الشرور سلم حاله وفرغ قلبه للعبادة فإن الذل مشوش للقلب والعز بالكثرة دافع بالذل.
الفائدة الخامسة مجاهدة النفس، ورياضتها بالرعاية، والولاية، والقيام بحقوق الأهل، والصبر على أخلاقهن، واحتمال الأذى منهن، والسعي في إصلاحهن، وإرشادهن إلى طريق الدين، والاجتهاد في كسب الحلال لأجلهن، والقيام بتربيته لأولاده.
فكل هذه أعمال عظيمة الفضل فإنها رعاية وولاية والأهل والولد رعية وفضل الرعاية عظيم إنما يحترز منها من يحترز خيفة من القصور عن القيام بحقها وإلا فقد قال صلى الله عليه وسلم (يوم من وال عادل أفضل من عبادة سبعين سنة) ثم قال (ألا كلكم راع وكلكم مسئول عن رعيته.) وليس من اشتغل بإصلاح نفسه وغيره كمن اشتغل بإصلاح نفسه فقط ولا من صبر على الأذى كمن رفه نفسه وأراحها فمقاساة الأهل والولد بمنزلة الجهاد في سبيل الله.
ولذلك قال بشر فضل على أحمد بن حنبل بثلاث إحداها أنه يطلب الحلال لنفسه ولغيره وقد قال صلى الله عليه وسلم (ما أنفقه الرجل على أهله فهو صدقة وإن الرجل ليؤجر في اللقمة يرفعها إلى في امرأته) وقال بعضهم لبعض العلماء من كل عمل أعطاني الله نصيبا حتى ذكر الحج والجهاد وغيرهما فقال له أين أنت من عمل الأبدان قال وما هو قال كسب الحلال والنفقة على العيال.
وقال ابن المبارك وهو مع إخوانه في الغزو تعلمون عملا أفضل مما نحن فيه قالوا ما نعلم ذلك قال أنا أعلم قالوا فما هو قال رجل متعفف ذو عائلة قام من الليل فنظر إلى صبيانه نياما متكشفين فسترهم وغطاهم بثوبه فعمله أفضل مما نحن فيه وقال صلى الله عليه وسلم (من حسنت صلاته وكثر عياله وقل ماله ولم يغتب المسلمين كان معي في الجنة كهاتين) وفي حديث آخر (إن الله يحب الفقير المتعفف أبا العيال) وفي الحديث (إذا كثرت ذنوب العبد ابتلاه الله بهم العيال ليكفرها عنه) وقال بعض السلف من الذنوب ذنوب لا يكفرها إلا الغم بالعيال وفيه أثر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم (أنه قال من الذنوب ذنوب لا يكفرها إلا الهم بطلب المعيشة.)
وقال صلى الله عليه وسلم (من كان له ثلاث بنات فأنفق عليهن وأحسن إليهن حتى يغنيهن الله عنه أوجب الله له الجنة ألبتة ألبتة إلا أن يعمل عملا لا يغفر له) وكان ابن عباس إذا حدث بهذا قال والله هو من غرائب الحديث وغرره وروي أن بعض المتعبدين كان يحسن القيام على زوجته إلى أن ماتت فعرض عليه التزويج فامتنع وقال الوحدة أروح لقلبي وأجمع لهمي ثم قال رأيت في المنام بعد جمعة من وفاتها كأن أبواب السماء فتحت وكأن رجالا ينزلون ويسيرون في الهواء يتبع بعضهم بعضا فكلما نزل واحد نظر إلي وقال لمن وراءه هذا هو المشئوم فيقول الآخر نعم ويقول الثالث كذلك ويقول الرابع نعم فخفت أن أسألهم هيبة من ذلك إلى أن مر بي آخرهم وكان غلاما فقلت له يا هذا من هذا المشئوم الذي تؤمئون إليه فقال أنت فقلت ولم ذاك قال كنا نرفع عملك في أعمال المجاهدين في سبيل الله فمنذ جمعة أمرنا أن نضع عملك مع الخالفين فما ندري ما أحدثت فقال لإخوانه زوجوني زوجوني فلم يكن تفارقه زوجتان أو ثلاث.
وفي أخبار الأنبياء عليهم السلام أن قوما دخلوا على يونس النبي عليه السلام فأضافهم فكان يدخل ويخرج إلى منزله فتؤذيه امرأته وتستطيل عليه وهو ساكت فتعجبوا من ذلك فقال لا تعجبوا فإني سألت الله تعالى وقلت ما أنت معاقب لي به في الآخرة فعجله لي في الدنيا فقال إن عقوبتك بنت فلان تتزوج بها فتزوجت بها وأنا صابر على ما ترون منها وفي الصبر على ذلك رياضة النفس وكسر الغضب وتحسين الخلق فإن المنفرد بنفسه أو المشارك لمن حسن خلقه لا تترشح منه خبائث النفس الباطنة ولا تنكشف بواطن عيوبه فحق على سالك الطريق الآخرة أن يجرب نفسه بالتعرض لأمثال هذه المحركات واعتياد الصبر عليها لتعتدل أخلاقه وترتاض نفسه ويصفو عن الصفات الذميمة باطنه والصبر على العيال مع انه رياضة ومجاهدة تكفل لهم وقيام بهم وعبادة في نفسها فهذه أيضا من الفوائد ولكنه لا ينتفع بها إلا أحد رجلين أما رجل قصد المجاهدة والرياضة وتهذيب الأخلاق لكونه في بداية الطريق فلا يبعد أن يرى هذا طريقا في المجاهدة وترتاض به نفسه وإما رجل من العابدين ليس له سير بالباطن وحركة بالفكر والقلب وانما عمله عمل الجوارح بالصلاة أو حج أو غيره فعمله لأهله وأولاده بكسب الحلال لهم والقيام بتربيتهم افضل له من العبادات اللازمة لبدنه التي لا يتعدى خيرها إلى غيرها.
فأما الرجل المهذب الأخلاق أما بكفاية في اصل الخلقة أو بمجاهدة سابقة إذا كان له سير في الباطن وحركة بفكر القلب في العلوم والمكاشفات فلا ينبغي أن يتزوج لهذا الغرض فان الرياضة هو مكفى فيها وأما العبادة في العمل بالكسب لهم فالعلم أفضل من ذلك لأنه أيضا عمل وفائدته أكثر من ذلك وأعم وأشمل لسائر الخلق من فائدة الكسب على العيال فهذه فوائد النكاح في الدين التي بها يحكم له بالفضيلة أما آفات النكاح فثلاث الأولى وهي أقواها العجز عن طلب الحلال فإن ذلك لا يتيسر لكل أحد لا سيما في هذه الأوقات مع اضطراب المعايش فيكون النكاح سببا في التوسع للطلب والإطعام من الحرام وفيه هلاكه وهلاك أهله والمتعزب في أمن من ذلك وأما المتزوج ففي الأكثر يدخل في مداخل السوء فيتبع هوى زوجته ويبيع آخرته بدنياه وفي الخبر (إن العبد ليوقف عند الميزان وله من الحسنات أمثال الجبال فيسأل عن رعاية عائلته والقيام بهم وعن ماله من أين اكتسبه وفيم أنفقه حتى يستغرق بتلك المطالبات كل أعماله فلا تبقى له حسنة فتنادي الملائكة هذا الذي أكل عياله حسناته في الدنيا وارتهن اليوم بأعماله)
ويقال إن أول ما يتعلق بالرجل في القيامة أهله وولده فيوقفونه بين يدي الله تعالى ويقولون يا ربنا خذ لنا بحقنا منه فإنه ما علمنا ما نجهل وكان يطعمنا الحرام ونحن لا نعلم فيقتص لهم منه وقال بعض السلف إذا أراد الله بعبد شرا سلط عليه في الدنيا أنيابا تنهشه يعني العيال وقال صلى الله عليه وسلم (لا يلقى الله أحد بذنب أعظم من جهالة أهله) فهذه آفة عامة قل من يتخلص منها إلا من له مال موروث أو مكتسب من حلال يفي به وبأهله وكان له من القناعة ما يمنعه من الزيادة فإن ذاك يتخلص من هذه الآفة أو من هو محترف ومقتد على كسب حلال من المباحات باحتطاب أو اصطياد أو كان في صناعة لا تتعلق بالسلاطين ويقدر على أن يعامل به أهل الخير ومن ظاهره السلامة وغالب ماله الحلال.
وقال ابن سالم رحمه الله وقد سئل عن التزويج فقال هو أفضل في زماننا هذا لمن أدركه شبق غالب مثل الحماريري الأتان فلا ينتهي عنها بالضرب ولا يملك نفسه فإن ملك نفسه فتركه أولى الآفة الثانية القصور عن القيام بحقهن والصبر على أخلاقهن واحتمال الأذى منهن وهذه دون الأولى في العموم فإن القدرة على هذا أيسر من القدرة على الأولى وتحسين الخلق مع النساء والقيام بحظوظهن أهون من طلب الحلال وفي هذا أيضا خطر لأنه راع ومسئول عن رعيته وقال صلى الله عليه وسلم (كفى بالمرء إثما أن يضيع من يعول) وروي أن الهارب من عياله بمنزلة العبد الهارب الآبق لا تقبل له صلاة ولا صيام حتى يرجع إليهم ومن يقصر عن القيام بحقهن وإن كان حاضرا فهو بمنزلة هارب فقد قال تعالى (قوا أنفسكم وأهليكم نارا) أمرنا أن نقيهم النار كما نقي أنفسنا والإنسان قد يعجز عن القيام بحق نفسه وإذا تزوج تضاعف عليه الحق وانضافت إلى نفسه نفس أخرى والنفس أمارة بالسوء إن كثرت عليها الحقوق كثر الأمر بالسوء غالبا.
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://alyasser.mam9.com
sakr
المدير العام
المدير العام
sakr


ذكر عدد المساهمات : 1794
تاريخ التسجيل : 19/06/2011

كتاب آداب النكاح Empty
مُساهمةموضوع: رد: كتاب آداب النكاح   كتاب آداب النكاح Icon_minitime1الجمعة أبريل 13, 2012 2:42 am

دبرها وكذلك اعتذر إبراهيم بن أدهم رحمه الله وقال لا أغر امرأة بنفسي ولا حاجة لي فيهن أي من القيام بحقهن وتحصينهن وإمتاعهن وأنا عاجز عنه وكذلك اعتذر بشر وقال يمنعني من النكاح قوله تعالى (ولهن مثل الذي عليهن) وكان يقول لو كنت أعول دجاجة لخفت أن أصير جلادا على الجسر. ولذلك اعتذر بعضهم من التزويج وقال أنا مبتلي بنفسي وكيف أضيف إليها نفسا أخرى كما قيل لن يسع الفأرة جحرها علقت المكنس في ورؤي سفيان ابن عيينة رحمه الله على باب السلطان فقيل له ما هذا موقفك فقال وهل رأيت ذا عيال أفلح وكان سفيان يقول يا حبذا العزبة والمفتاح ومسكن تخرقه الرياح لا صخب فيه ولا صياح فهذه آفة عامة أيضا وإن كانت دون عموم الأولى لا يسلم منها إلا حكيم عاقل حسن الأخلاق بصير بعادات النساء صبور على لسانهن وقاف عن اتباع شهواتهن حريص على الوفاء بحقهن يتغافل عن زللهن ويداري بعقله أخلاقهن والأغلب على الناس السفه والفظاظة والحدة والطيش وسوء الخلق وعدم الإنصاف مع طلب تمام الإنصاف ومثل هذا يزداد بالنكاح فسادا من هذا الوجه لا محالة فالوحدة أسلم له.
الآفة الثالثة وهي دون الأولى والثانية أن يكون الأهل والولد شاغلا له عن الله تعالى وجاذبا له إلى طلب الدنيا وحسن تدبير المعيشة للأولاد بكثرة جمع المال وادخاره لهم وطلب التفاخر والتكاثر بهم وكل ما شغل عن الله من أهل ومال وولد فهو مشئوم على صاحبه ولست أعني بهذا أن يدعو إلى محظور فإن ذلك مما اندرج تحت تحت الآفة الأولى والثانية بل أن يدعوه إلى التنعم بالمباح بل إلى الإغراق في ملاعبة النساء ومؤانستهن والإمعان في التمتع بهن ويثور من النكاح أنواع من الشواغل من هذا الجنس تستغرق القلب فينقضي الليل والنهار ولا يتفرغ المرء فيهما للتفكر في الآخرة والاستعداد لها ولذلك قال إبراهيم بن أدهم رحمه الله من تعود أفخاد النساء لم يجيء منه شيء.
وقال أبو سليمان رحمه الله من تزوج فقد ركن إلى الدنيا أي يدعوه ذلك إلى الركون إلى الدنيا فهذه مجامع الآفات والفوائد فالحكم على شخص واحد بأن الأفضل له النكاح أو العزوبة مطلقا قصور عن الإحاطة بمجامع هذه الأمور بل تتخذ هذه الفوائد والآفات معتبرا ومحكما ويعرض المريد عليه نفسه فإن انتفت في حقه الآفات واجتمعت الفوائد بأن كان له مال حلال وخلق حسن وجد في الدين تام لا يشغله النكاح عن الله وهو مع ذلك شاب محتاج إلى تسكين الشهوة ومنفرد يحتاج إلى تدبير المنزل والتحصن بالعشيرة فلا يماري في أن النكاح أفضل له مع ما فيه من السعي في تحصيل الولد فإن انتفت الفوائد واجتمعت الآفات فالعزوبة أفضل له وإن تقابل الأمران وهو الغالب فينبغي أن يوزن بالميزان القسط حظ تلك الفائدة في الزيادة من دينه وحظ تلك الآفات في النقصان منه فإذا غلب على الظن رجحان أحدهما حكم به وأظهر الفوائد الولد وتسكين الشهوة وأظهر الآفات الحاجة إلى كسب الحرام والاشتغال عن الله فلنفرض تقابل هذه الأمور فنقول من لم يكن في أذية من الشهوة وكانت فائدة نكاحه في السعي لتحصيل الولد وكانت الآفة الحاجة إلى كسب الحرام والاشتغال عن الله فالعزوبة له أولى فلا خير فيما يشغل عن الله ولا خير في كسب الحرام.
ولا يفي بنقصان هذين الأمرين أمر الولد فإن النكاح للولد سعي في طلب حياة للولد موهومة وهذا نقصان في الدين ناجز فحفظه لحياة نفسه وصونها عن الهلاك أهم من السعي في الولد وذلك ربح والدين رأس مال وفي فساد الدين بطلان الحياة الأخروية وذهاب رأس المال ولا تقاوم هذه الفائدة إحدى هاتين الآفتين وأما إذا انضاف إلى أمر الولد حاجة كسر الشهوة لتوقان النفس إلى النكاح نظر فإن لم يقو لجام التقوى في رأسه وخاف على نفسه الزنا فالنكاح له أولى لأنه متردد بين أن يقتحم الزنا أو يأكل الحرام والكسب الحرام أهون الشرين وإن كان يثق بنفسه أنه لا يزني ولكن لا يقدر مع ذلك على غض البصر عن الحرام فترك النكاح أولى لأن النظر حرام والكسب من غير وجهه حرام والكسب يقع دائما وفيه عصيانه وعصيان أهله والنظر يقع أحيانا وهو يخصه وينصرم على قرب والنظر زنا العين ولكن إذا لم يصدقه الفرج فهو إلى العفو أقرب من أكل الحرام إلا أن يخاف إفضاء النظر إلى معصية الفرج فيرجع ذلك إلى خوف العنت وإذا ثبت هذا فالحالة الثالثة وهو أن يقوى على غض البصر ولكن لا يقوى على دفع الأفكار الشاغلة للقلب فذلك أولى بترك النكاح لأن عمل القلب إلى العفو أقرب إنما يراد فراغ القلب للعبادة.
ولا تتم عبادة مع الكسب الحرام وأكله وإطعامه فهكذا ينبغي أن توزن هذه الآفات بالفوائد ويحكم بحسبها ومن أحاط بهذا لم يشكل عليه شيء مما نقلنا عن السلف من ترغيب في النكاح مرة ورغبة عنه أخرى إذ ذلك بحسب الأحوال صحيح فإن قلت فمن أمن الآفات فما الأفضل له التخلي لعبادة الله أو النكاح فأقول يجمع بينهما لأن النكاح ليس مانعا من التخلي لعبادة الله من حيث إنه عقد ولكن من حيث الحاجة إلى الكسب فإن قدر على الكسب الحلال فالنكاح أيضا أفضل لأن الليل وسائر أوقات النهار يمكن التخلي فيه للعبادة والمواظبة على العبادة من غير استراحة غير ممكن فإن فرض كونه مستغرقا بالكسب حتى لا يبقى له وقت سوى أوقات المكتوبة والنوم والأكل وقضاء الحاجة فإن كان الرجل ممن لا يسلك سبيل الآخرة إلا بالصلاة النافلة أو الحج وما يجري مجراه من الأعمال البدنية فالنكاح له أفضل لأن في كسب الحلال والقيام بالأهل والسعي في تحصيل الولد والصبر على أخلاق النساء أنواعا من العبادات لا يقصر فضلها عن نوافل العبادات.
وإن كان عبادته بالعلم والفكر وسير الباطن والكسب يشوش عليه ذلك فترك النكاح أفضل فإن قلت فلم ترك عيسى عليه السلام النكاح مع فضله وإن كان الأفضل التخلي لعبادة الله فلم استكثر رسولنا صلى الله عليه وسلم من الأزواج فاعلم أن الأفضل الجمع بينهما في حق من قدر ومن قويت منته وعلت همته فلا يشغله عن الله شاغل ورسولنا صلى الله عليه وسلم أخذ بالقوة وجمع بين فضل العبادة والنكاح ولقد كان مع تسع من النسوة.
وله من حديثه أيضا وهن إحدى عشرة متخليا لعبادة الله وكان قضاء الوطر بالنكاح في حقه غير مانع كما لا يكون قضاء الحاجة في حق المشغولين بتدبيرات الدنيا مانعا لهم عن التدبير حتى يشتغلون في الظاهر بقضاء الحاجة وقلوبهم مشغوفة بهممهم غير غافلة عن مهماتهم وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم لعلو درجته لا يمنعه أمر هذا العالم عن حضور القلب مع الله تعالى فكان ينزل عليه الوحي وهو في فراش امرأته. ومتى سلم مثل هذا المنصب لغيره فلا يبعد أن يغير السواقي ما لا يغير البحر الخضم فلا ينبغي أن يقاس عليه غيره وأما عيسى صلى الله عليه وسلم فإنه أخذ بالحزم لا بالقوة واحتاط لنفسه ولعل حالته كانت حالة يؤثر فيها الاشتغال بالأهل أو يتعذر معها طلب الحلال أو لا يتيسر فيها الجمع بين النكاح والتخلي للعبادة فآثر التخلي للعبادة وهم اعلم بأسرار أحوالهم وأحكام أعصارهم في طيب المكاسب وأخلاق النساء وما على الناكح من غوائل النكاح وما له فيه ومهما كانت الأحوال منقسمة حتى يكون النكاح في بعضها أفضل وتركه في بعضها افضل فحقنا أن ننزل أفعال الأنبياء على الأفضل في كل حال والله أعلم.
الباب الثاني فيما يراعي حالة العقد من أحوال المرأة وشروط العقد
أما العقد فأركانه وشروطه لينعقد ويفيد الحل أربعة:
• الأول إذن الولي فإن لم يكن فالسلطان
• الثاني رضا المرأة إن كانت ثيبا بالغا أو كانت بكرا بالغا ولكن يزوجها غير الأب
• والحد الثالث حضور شاهدين ظاهري العدالة فإن كانا مستورين حكمنا بالانعقاد للحاجة
• الرابع إيجاب وقبول متصل به بلفظ الإنكاح أو التزويج أو معناهما الخاص بكل لسان من شخصين مكلفين ليس فيهما امرأة سواء كان هو الزوج أو الولي أو وكيلهما.
وأما آدابه فتقديم الخطبة مع الولي لا في حال عدة المرأة بل بعد انقضائها إن كانت معتدة ولا في حال سبق غيره بالخطبة إذ نهي عن الخطبة على الخطبة ولا يخطب على خطبة أخيه حتى يترك الخاطب قبل ويأذن له ومن آدابه الخطبة قبل النكاح ومزج التحميد بالإيجاب والقبول فيقول المزوج الحمد لله والصلاة على رسول الله زوجتك ابنتي فلانة ويقول الزوج الحمد لله والصلاة على رسول الله قبلت نكاحها على هذا الصداق وليكن الصداق معلوما خفيفا والتحميد قبل الخطبة أيضا مستحب ومن آدابه أن يلقى أمر الزوج إلى سمع الزوجة وإن كانت بكرا فذلك أحرى وأولى بالألفة ولذلك يستحب النظر إليها قبل النكاح فإنه أحرى أن يؤدم بينهما.
ومن الآداب إحضار جمع من أهل الصلاح زيادة على الشاهدين اللذين هما ركنان للصحة ومنها أن ينوي بالنكاح إقامة السنة وغض البصر وطلب الولد وسائر الفوائد التي ذكرناها ولا يكون قصده مجرد الهوى والتمتع فيصير عمله من أعمال الدنيا ولا يمنع ذلك هذه النيات فرب حق يوافق الهوى قال عمر بن عبد العزيز رحمه الله إذا وافق الحق الهوى فهو الزبد بالنرسيان ولا يستحيل أن يكون كل واحد من حظ النفس وحق الدين باعثا معا. ويستحب أن يعقد في المسجد وفي شهر شوال قالت عائشة رضي الله عنها تزوجني رسول الله صلى الله عليه وسلم (في شوال وبنى بي في شوال.) وأما المنكوحة فيعتبر فيها نوعان أحدهما للحل والثاني لطيب المعيشة وحصول المقاصد النوع الأول ما يعتبر فيها للحل وهو أن تكون خلية عن موانع النكاح والموانع تسعة عشر:
الأول أن تكون منكوحة للغير.
الثاني أن تكون معتدة للغير سواء كانت عدة وفاة أو طلاق أو وطء شبهة أو كانت في استبراء وطء عن ملك يمين.
الثالث أن تكون مرتدة عن الدين لجريان كلمة على لسانها من كلمات الكفر.
الرابع أن تكون مجوسية.
الخامس أن تكون وثنية أو زنديقة لا تنسب إلى نبي وكتاب ومنهن المعتقدات لمذهب الإباحة فلا يحل نكاحهن وكذلك كل معتقدة مذهبا فاسدا يحكم بكفر معتقده.
السادس أن تكون كتابية قد دانت بدينهم بعد التبديل أو بعد مبعث رسول الله صلى الله عليه وسلم ومع ذلك فليست من نسب بني إسرائيل فإذا عدمت كلتا الخصلتين لم يحل نكاحها وإن عدمت النسب فقط ففيه خلاف.
السابع أن تكون رقيقة والناكح حرا قادرا على طول الحرة أو غير خائف من العنت.
الثامن أن تكون كلها أو بعضها مملوكا للناكح ملك يمين.
التاسع أن تكون قريبة للزوج بأن تكون من أصوله أو فصوله أو فصول أول أصوله أو من أول فصل من كل أصل بعده أصل وأعني بالأصول الأمهات والجدات وبفصوله الأولاد والأحفاد وبفصول أول أصوله الإخوة وأولادهم وبأول فصل من كل أصل بعده أصل العمات والخالات دون أولادهن.
العاشر أن تكون محرمة بالرضاع ويحرم من الرضاع ما يحرم من النسب من الأصول والفصول كما سبق ولكن المحرم خمس رضعات وما دون ذلك لا يحرم.
الحادي عشر المحرم بالمصاهرة وهو أن يكون الناكح قد نكح ابنتها أو جدتها أو ملك بعقد أو شبهة عقد من قبل أو وطئهن بالشبهة في عقد أو وطيء أمها أو إحدى جداتها بعقد أو شبهة عقد فمجرد العقد على المرأة يحرم أمهاتها ولا يحرم فروعها إلا بالوطء أو يكون قد نكحها أبوه أو ابنه قبل.
الثاني عشر أن تكون المنكوحة خامسة أي يكون تحت الناكح أربع سواها إما في نفس النكاح أو في عدة الرجعة فإن كانت في عدة بينونة لم تمنع الخامسة.
الثالث عشر أن يكون تحت الناكح أختها أو عمتها أو خالتها فيكون بالنكاح جامعا بينهما وكل شخصين بينهما قرابة لو كان أحدهما ذكرا والآخرة أنثى لم يجز بينهما النكاح فلا يجوز أن يجمع بينهما.
الرابع عشر أن يكون هذا الناكح قد طلقها ثلاثا فهي لا تحل له ما لم يطأها زوج غيره في نكاح صحيح.
الخامس عشر أن يكون الناكح قد لاعنها فإنها تحرم عليه أبدا بعد اللعان.
السادس عشر أن تكون محرمة بحج أو عمرة أو كان الزوج كذلك فلا ينعقد النكاح إلا بعد تمام التحلل.
السابع عشر أن تكون ثيبا صغيرة فلا يصح نكاحها إلا بعد البلوغ الثامن عشر أن تكون يتيمة فلا يصح نكاحها إلا بعد البلوغ.
التاسع عشر أن تكون من أزواج رسول الله صلى الله عليه وسلم ممن توفي عنها أو دخل بها فإنهن أمهات المؤمنين وذلك لا يوجد في زماننا فهذه هي الموانع المحرمة.
أما الخصال المطيبة للعيش التي لا بد من مراعاتها في المرأة ليدوم العقد وتتوفر مقاصده ثمانية: الدين والخلق والحسن وخفة المهر والولادة والبكارة والنسب وأن لا تكون قرابة قريبة.
الأولى أن تكون صالحة ذات دين فهذا هو الأصل وبه ينبغي أن يقع الاعتناء فإنها إن كانت ضعيفة الدين في صيانة نفسها وفرجها أزرت بزوجها وسودت بين الناس وجهه وشوشت بالغيرة قلبه وتتغص بذلك عيشه فإن سلك سبيل الحمية والغيرة لم يزل في بلاء ومحنة وإن سلك سبيل التساهل كان متهاونا بدينه وعرضه ومنسوبا إلى قلة الحمية والأنفة وإذا كانت مع الفساد جميلة كان بلاؤها أشد إذ يشق على الزوج مفارقتها فلا يصبر عنها ولا يصبر عليها ويكون كالذي جاء إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال يا رسول الله إن (لي امرأة لا ترد يد لامس) قال (طلقها) فقال (إني أحبها) قال (أمسكها) وإنما أمره بإمساكها خوفا عليه بأنه إذا طلقها أتبعها نفسه وفسد هو أيضا معها فرأى ما في دوام نكاحه من دفع الفساد عنه من ضيق قلبه أولى وإن كانت فاسدة الدين باستهلاك ماله أو بوجه آخر لم يزل العيش مشوشا معه فإن سكت ولم ينكره كان شريكا في المعصية مخالفا لقوله تعالى (قوا أنفسكم وأهليكم نارا) وإن أنكر وخاصم تنغص العمر.
ولهذا بالغ رسول الله صلى الله عليه وسلم في التحريض على ذات الدين فقال (تنكح المرأة لمالها وجمالها وحسبها ودينها فعليك بذات الدين تربت يداك) وفي حديث آخر (من نكح المرأة لمالها وجمالها حرم جمالها ومالها ومن نكحها لدينها رزقه الله مالها وجمالها حديث من نكح المرأة لمالها وجمالها حرم مالها وجمالها) وقال صلى الله عليه وسلم (لا تنكح المرأة لجمالها فلعل جمالها يرديها ولا لمالها فلعل مالها يطغيها وانكح المرأة لدينها) وإنما بالغ في الحث على الدين لأن مثل هذه المرأة تكون عونا على الدين فأما إذا لم تكن متدينة كانت شاغلة عن الدين ومشوشة له.
الثانية حسن الخلق وذلك أصل مهم في طلب الفراغة والاستعانة على الدين فإنها إذا كانت سليطة بذية اللسان سيئة الخلق كافرة للنعم كان الضرر منها أكثر من النفع والصبر على لسان النساء مما يمتحن به الأولياء قال بعض العرب (لا تنكحوا من النساء ستة لا أنانة ولا منانة ولا حنانة ولا تنكحوا حداقة ولا براقة ولا شداقة) أما الأنانة فهي التي تكثر الأنين والتشكي وتعصب رأسها كل ساعة فنكاح الممراضة أو نكاح المتمارضة لا خير فيه والمنانة التي تمن على زوجها فتقول فعلت لأجلك كذا وكذا والحنانة التي تحن إلى زوج آخر أو ولدها من زوج آخر وهذا أيضا مما يجب اجتنابه والحداقة التي ترمي إلى كل شيء بحدقتها فتشتهيه وتكلف الزوج شراءه والبراقة تحتمل معنيين أحدهما أن تكون طول النهار في تصقيل وجهها وتزيينه ليكون لوجهها بريق محصل بالصنع والثاني أن تغضب على الطعام فلا تأكل إلا وحدها وتستقل نصيبها من كل شيء وهذه لغة يمانية يقولون برقت المرأة وبرق الصبي الطعام إذا غضب عنده والشداقة المتشدقة الكثيرة الكلام ومنه قوله صلى الله عليه وسلم (إن الله تعالى يبغض الثرثارين المتشدقين.)
إن الله يبغض البليغ من الرجال الذي يتخال بلسانه تخلل الباقرة بلسانها وحكي أن السائح الأزدي لقي إلياس عليه السلام في سياحته فأمره بالتزوج ونهاه عن التبتل ثم قال لا تنكح أربعا (المختلعة والمبارية والعاهرة والناشز) فأما المختلعة فهي التي تطلب الخلع كل ساعة من غير سبب والمبارية المباهية بغيرها المفاخرة بأسباب الدنيا والعاهرة الفاسقة التي تعرف بخليل وخدن وهي التي قال الله تعالى (ولا متخذات أخدان) والناشز التي تعلو على زوجها بالفعال والمقال والنشز العالي من الأرض وكان علي رضي الله عنه يقول (شر خصال الرجال خير خصال النساء البخل والزهو والجبن فإن المرأة إذا كانت بخيلة حفظت مالها ومال زوجها وإذا كانت مزهوة استنكفت أن تكلم كل أحد بكلام لين مريب وإذا كانت جبانة فرقت من كل شيء فلم تخرج من بيتها واتقت مواضع التهمة خيفة من زوجها) فهذه الحكايات ترشد إلى مجامع الأخلاق المطلوبة في النكاح.
الثالثة حسن الوجه فذلك أيضا مطلوب إذ به يحصل التحصن والطبع لا يكتفي بالدميمة غالبا كيف والغالب أن حسن الخلق والخلق لا يفترقان وما نقلناه من الحث على الدين وان المرأة لا تنكح لجمالها ليس زاجر عن رعاية الجمال بل هو زجر عن النكاح لأجل الجمال المحض مع الفساد في الدين فإن الجمال وحده في غالب الأمر يرغب في النكاح ويهون أمر الدين ويدل على الالتفات إلى معنى الجمال أن الألفة والمودة تحصل به غالبا وقد ندب الشرع إلى مراعاة أسباب الألفة ولذلك استحب النظر فقال (إذا أوقع الله في نفس أحدكم من امرأة فلينظر إليها فإنه أحرى أن يؤدم بينهما) أي يؤلف بينهما من وقوع الأدمة على الأدمة وهي الجلدة الباطنة والبشرة الجلدة الظاهرة وإنما ذكر ذلك للمبالغة في الائتلاف وقال صلى الله عليه وسلم (إن في أعين الأنصار شيئا فإذا أراد أحدكم أن يتزوج منهن فلينظر إليهن) قيل كان في أعينهن عمش وقيل صغر وكان بعض الورعين لا ينكحون كرائمهم إلا بعد النظر احترازا من الغرور قال الأعمش كل تزويج يقع على غير نظر فآخره هم وغم ومعلوم أن النظر لا يعرف الخلق والدين والمال وإنما يعرف الجمال من القبح وروي أن رجلا تزوج على عهد عمر رضي الله عنه وكان قد خضب فنصل خضابه فاستعدى عليه أهل المرأة إلى عمر وقالوا حسبناه شابا فأوجعه عمر ضربا وقال غررت القوم.
وروي أن بلالا وصهيبا أتيا أهل بيت من العرب فخطبا إليهم فقيل لهما من أنتما فقال بلال أنا بلال وهذا أخي صهيب كنا ضالين فهدانا الله وكنا مملوكين فأعتقنا الله وكنا عائلين فأغنانا الله فإن تزوجونا فالحمد لله وإن تردونا فسبحان الله فقالوا بل تزوجان والحمد لله فقال صهيب لو ذكرت مشاهدنا وسوابقنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال اسكت فقد صدقت فأنكحك الصدق.
والغرور يقع في الجمال والخلق جميعا فيستحب إزالة الغرور في الجمال بالنظر وفي الخلق بالوصف والاستيصاف فينبغي أن يقدم ذلك على النكاح ولا يستوصف في أخلاقها وجمالها إلا من هو بصير صادق خبير بالظاهر والباطن ولا يميل إليها فيفرط في الثناء ولا يحسدها فيقصر فالطباع مائلة في مبادي النكاح ووصف المنكوحات إلى الإفراط والتفريط وقل من يصدق فيه ويقتصد بل الخداع والإغراء أغلب والاحتياط فيه مهم لمن يخشى على نفسه التشوف إلى غير زوجته فأما من أراد من الزوجة مجرد السنة أو الولد أو تدبير المنزل فلو رغب عن الجمال فهو إلى الزهد أقرب لأنه على الجملة باب من الدنيا وإن كان قد يعين على الدين في حق بعض الأشخاص.
قال أبو سليمان الداراني الزهد في كل شيء حتى في المرأة يتزوج الرجل العجوز إيثارا للزهد في الدنيا وقد كان مالك بن دينار رحمه الله يقول يترك أحدكم أن يتزوج يتيمة فيؤجر فيها إن أطعمها وكساها تكون خفيفة المؤنة ترضى باليسير ويتزوج بنت فلان وفلان يعني أبناء الدنيا فتشتهي عليه الشهوات وتقول اكسني كذا وكذا واختار أحمد بن حنبل عوراء على أختها وكانت أختها جميلة فسأل من أعقلهما فقيل العوراء فقال زوجوني إياها فهذا دأب من لم يقصد التمتع فأما من لا يأمن على دينه ما لم يكن له مستمتع فليطلب الجمال فالتلذذ بالمباح حصن للدين وقد قيل إذا كانت المرأة حسناء خيرة الأخلاق سوداء الحدقة والشعر كبيرة العين شديدة بيضاء اللون محبة لزوجها قاصرة الطرف عليه فهي على صورة الحور العين فإن الله تعالى وصف نساء أهل الجنة بهذه الصفة في قوله (خيرات حسان) أراد بالخيرات حسنات الأخلاق وفي قوله (قاصرات الطرف) وفي قوله (عربا أترابا) العروب هي العاشقة لزوجها المشتهية للوقاع وبه تتم اللذة والحور البياض والحوراء شديدة بياض العين شديدة سوادها في سواد الشعر والعيناء الواسعة العين.
وقال صلى الله عليه وسلم (خير نسائكم من إذا نظر إليها زوجها سرته وإذا أمرها أطاعته وإذا غاب عنها حفظته في نفسها وماله) وإنما يسر بالنظر إليها إذا كانت محبة للزوج.
الرابعة أن تكون خفيفة المهر قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (خير النساء أحسنهن وجوها وأرخصهن مهورا) وقد نهي عن المغالاة في المهر. تزوج رسول الله صلى الله عليه وسلم بعض نسائه على عشرة دراهم وأثاث بيت وكان رحى يد وجرة ووسادة من أدم حشوها ليف. وعلى وأولم على بعض نسائه بمدين من شعير وكان عمر رضي الله عنه ينهى عن المغالاة في الصداق ويقول ما تزوج رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا زوج بناته بأكثر من أربعمائة درهم ولو كانت المغالاة بمهور النساء مكرمة لسبق إليها رسول الله صلى الله عليه وسلم وقد تزوج بعض أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم على نواة من ذهب قيمتها خمسة دراهم، وزوج سعيد بن المسيب ابنته من أبي هريرة رضي الله عنه على درهمين ثم حملها هو إليه ليلا فأدخلها هو من الباب ثم انصرف ثم جاءها بعد سبعة أيام فسلم عليها ولو تزوج على عشرة دراهم للخروج من خلاف العلماء فلا بأس به.
وفي الخبر من بركة المرأة سرعة تزويجها وسرعة رحمها أي الولادة ويسر مهرها، وكما تكره المغالاة في المهر من جهة المرأة فيكره السؤال عن مالها من جهة الرجل ولا ينبغي أن ينكح طمعا في المال قال النوري إذا تزوج وقال أي شيء للمرأة فاعلم أنه لص وإذا أهدى إليهم فلا ينبغي أن يهدى ليضطرهم إلى المقابلة بأكثر منه وكذلك إذا أهدوا إليه فنية طلب الزيادة نية فاسدة فأما التهادي فمستحب وهو سبب المودة قال صلى الله عليه وسلم (تهادوا تحابوا) وأما طلب الزيادة فداخل في قوله تعالى (ولا تمنن تستكثر) أي تعطي لتطلب أكثر وتحت قوله تعالى (وما آتيتم من ربا ليربوا في أموال الناس) فإن الربا هو الزيادة وهذا طلب زيادة على الجملة وإن لم يكن في الأموال الربوية فكل ذلك مكروه وبدعة في النكاح يشبه التجارة والقمار ويفسد مقاصد النكاح.
الخامسة أن تكون المرأة ولودا فإن عرفت بالعقر فليمتنع عن تزوجها قال صلى الله عليه وسلم (عليكم بالولود الودود) فإن لم يكن لها زوج و لم يعرف حالها فيراعى صحتها وشبابها فإنها تكون ولودا في الغالب مع هذين الوصفين.
السادسة أن تكون بكرا قال صلى الله عليه وسلم لجابر وقد نكح ثيبا (هلا بكرا تلاعبها وتلاعبك) في البكارة ثلاث فوائد:
إحداها أن تحب الزوج وتألفه فيؤثر في معنى الود وقد قال صلى الله عليه وسلم (عليكم بالودود) والطباع مجبولة على الأنس بأول مألوف وأما التي اختبرت الرجال ومارست الأحوال فربما لا ترضى بعض الأوصاف التي تخالف ما ألفته فتقلى الزوج.
الثانية أن ذلك أكمل في مودته لها فإن الطبع ينفر عن التي مسها غير الزوج نفرة ما وذلك يثقل على الطبع مهما يذكر وبعض الطباع في هذا أشد نفورا.
الثالثة أنها لا تحن إلى الزوج الأول وآكد الحب ما يقع مع الحبيب الأول غالبا.
السابعة أن تكون نسيبة أعني أن تكون من أهل بيت الدين والصلاح فإنها ستربي بناتها وبنيها فإذا لم تكن مؤدبة لم تحسن التأديب والتربية ولذلك قال صلى الله عليه وسلم ( إياكم وخضراء الدمن فقيل ما خضراء الدمن قال المرأة الحسناء في المنبت السوء) وقال صلى الله عليه وسلم (تخيروا لنطفكم فإن العرق نزاع.)
الثامنة أن لا تكون من القرابة القريبة فإن ذلك يقلل الشهوة قال صلى الله عليه وسلم (لا تنكحوا القرابة القريبة فإن الولد يخلق ضاويا) وقال معناه تزوجوا الغرائب قال ويقال اغربوا لا تضووا أي نحيفا وذلك لتأثيره في تضعيف الشهوة فإن الشهوة إنما تنبعث بقوة الإحساس بالنظر واللمس وإنما يقوى الإحساس بالأمر الغريب الجديد فأما المعهود الذي دام النظر إليه مدة فإنه يضعف الحس عن تمام إدراكه والتأثر به ولا تنبعث به الشهوة فهذه هي الخصال المرغبة في النساء ويجب على الولي أيضا أن يراعي خصال الزوج ولينظر لكريمته فلا يزوجها ممن ساء خلقه أو خلقه أو ضعف دينه أو قصر عن القيام بحقها أو كان لا يكافئها في نسبها قال صلى الله عليه وسلم (النكاح رق فلينظر أحدكم أين يضع كريمته) والاحتياط في حقها أهم لأنها رقيقة بالنكاح لا مخلص لها والزوج قادر على الطلاق بكل حال ومهما زوج ابنته ظالما أو فاسقا أو مبتدعا أو شارب خمر فقد جنى على دينه وتعرض لسخط الله لما قطع من حق الرحم وسوء الاختيار وقال رجل للحسن قد خطب ابنتي جماعة فمن أزوجها قال ممن يتقي الله فإن أحبها أكرمها وإن أبغضها لم يظلمها وقال صلى الله عليه وسلم (من زوج كريمته من فاسق فقد قطع رحمها)
الباب الثالث في آداب المعاشرة وما يجري في دوام النكاح والنظر فيما على الزوج وفيما على الزوجة.
أما الزوج فعليه مراعاة الاعتدال والأدب في اثني عشر أمرا في الوليمة والمعاشرة والدعابة والسياسة والغيرة والنفقة والتعليم والقسم والتأديب في النشوز والوقاع والولادة والمفارقة بالطلاق.
الأدب الأول الوليمة وهي مستحبة قال أنس رضي الله عنه (رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم على عبد الرحمن بن عوف رضي الله عنه أثر صفرة فقال ما هذا فقال تزوجت امرأة على وزن نواة من ذهب فقال بارك الله لك أولم ولو بشاة) وأولم رسول الله صلى الله عليه وسلم على صفية بتمر وسويق وقال صلى الله عليه وسلم (طعام أول يوم حق وطعام الثاني سنة وطعام الثالث سمعة ومن سمع سمع الله به) وتستحب تهنئته فيقول من دخل على الزوج (بارك الله لك وبارك عليك وجمع بينكما في خير.)
ويستحب إظهار النكاح قال صلى الله عليه وسلم (فصل ما بين الحلال والحرام الدف والصوت) قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (أعلنوا هذا النكاح واجعلوه في المساجد واضربوا عليه بالدفوف) وعن الربيع بنت معوذ قالت (جاء رسول الله صلى الله عليه وسلم فدخل غداة بنى بي فجلس على فراشي وجويريات لنا يضربن بدفهن ويندبن من قتل من آبائي إلى أن قالت إحداهن وفينا نبي يعلم ما في غد فقال لها اسكتي عن هذه وقولي الذي كنت تقولين قبلها.)
الأدب الثاني حسن الخلق معهن واحتمال الأذى منهن ترحما عليهن لقصور عقلهن وقال الله تعالى (وعاشروهن بالمعروف) وقال في تعظيم حقهن (وأخذن منكم ميثاقا غليظا) وقال (والصاحب بالجنب) قيل هي المرأة وآخر ما وصى به رسول الله صلى الله عليه وسلم ثلاث كان يتكلم بهم حتى تلجلج لسانه وخفي كلامه جعل يقول الصلاة، الصلاة، وما ملكت أيمانكم، لا تكلفوهم ما لا يطيقون، الله، الله، فإنهن عوان في أيديكم) يعني أسراء أخذتموهن بأمانة الله واستحللتم فروجهن بكلمة الله .
واما الوصية بالنساء فالمعروف أن ذلك كان في حجة الوداع وقال صلى الله عليه وسلم (من صبر على سوء خلق امرأته أعطاه الله من الأجر مثل ما أعطى أيوب على بلائه ومن صبرت على سوء خلق زوجها أعطاها الله مثل ثواب آسية امرأة فرعون.)
وأعلم انه ليس حسن الخلق معها كف الأذى عنها بل احتمال الأذى منها والحلم عند طيشها وغضبها اقتداء برسول الله صلى الله عليه وسلم (فقد كانت أزواجه تراجعنه الكلام وتهجره الواحدة منهن يوما إلى الليل) وراجعت امرأة عمر رضي الله عنه عمر في الكلام فقال أتراجعيني يالكعاء فقالت أن أزواج رسول الله صلى الله عليه وسلم يراجعنه وهو خير منك) فقال عمر خابت حفصة وخسرت إن راجعته ثم قال لحفصة لا تغتري بابنة ابن أبي قحافة فإنها حب رسول الله صلى الله عليه وسلم وخوفها من المراجعة وروي انه دفعت إحداهن في صدر رسول الله صلى الله عليه وسلم فزبرتها أمها فقال صلى الله عليه وسلم دعيها فإنهن يصنعن اكثر من ذلك.)
وجرى بينه وبين عائشة كلام حتى أدخلا بينهما أبا بكر رضي الله عنه حكما واستشهده فقال لها رسول الله صلى الله عليه وسلم تكلمين أو أتكلم فقالت بل تكلم أنت ولا تقل إلا حقا فلطمها أبو بكر حتى دمى فوها وقال يا عدية نفسها أو يقول غير الحق فاستجارت برسول الله صلى الله عليه وسلم وقعدت خلف ظهره فقال له النبي صلى الله عليه وسلم لم ندعك لهذا ولا أردنا منك هذا) وقالت له مرة في كلام غضبت عنده أنت الذي تزعم أنك نبي الله فتبسم رسول الله صلى الله عليه وسلم واحتمل ذلك حلما وكرما وكان يقول لها إني لأعرف غضبك من رضاك قالت وكيف تعرفه قال إذا رضيت قلت لا وإله محمد وإذا غضبت قلت لا وإله إبراهيم قالت صدقت إنما أهجر اسمك) سن حديثها ويقال إن أول حب وقع في الإسلام حب النبي صلى الله عليه وسلم لعائشة رضي الله عنها) وكان يقول لها كنت لك كأبي زرع لأم زرع غير أني لا أطلقك)
وكان يقول لنسائه لا تؤذوني في عائشة فإنه والله ما نزل على الوحي وأنا في لحاف امرأة منكن غيرها وقال أنس رضي الله عنه كان رسول الله صلى الله عليه وسلم أرحم الناس بالنساء والصبيان.)
الثالث أن يزيد على احتمال الأذى بالمداعبة والمزح والملاعبة فهي التي تطيب قلوب النساء وقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يمزح معهن وينزل إلى درجات عقولهن في الأعمال والأخلاق حتى روي أنه صلى الله عليه وسلم كان يسابق عائشة في العدو فسبقته يوما وسبقها في بعض الأيام فقال صلى الله عليه وسلم هذه بتلك) وفي الخبر أنه كان صلى الله عليه وسلم من أفكه الناس مع نسائه) وقالت عائشة رضي الله عنها سمعت أصوات أناس من الحبشة وغيرهم وهم يلعبون في يوم عاشوراء فقال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم أتحبين أن تري لعبهم قالت قلت نعم فأرسل إليهم فجاؤا وقام رسول الله صلى الله عليه وسلم بين البابين فوضع كفه على الباب ومد يده ووضعت ذقني على يده وجعلوا يلعبون وأنظر وجعل رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول حسبك وأقول اسكت مرتين أو ثلاثا ثم قال يا عائشة حسبك فقلت نعم فأشار إليهم فانصرفوا) فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم (أكمل المؤمنين إيمانا أحسنهم خلقا وألطفهم بأهله) وقال صلى الله عليه وسلم (خيركم خيركم لنسائه وأنا خيركم لنسائي.)
وقال عمر رضي الله عنه مع خشونته ينبغي للرجل أن يكون في أهله مثل الصبي فإذا التمسوا ما عنده وجد رجلا. وقال لقمان رحمه الله ينبغي للعاقل أن يكون في أهله كالصبي وإذا كان في القوم وجد رجلا. وفي تفسير الخبر المروي (إن الله يبغض الجعظري الجواظ) قيل هو الشديد على أهله المتكبر في نفسه وهو أحد ما قيل في معنى قوله تعالى عتل قيل العتل هو اللفظ اللسان الغليظ القلب على أهله وقال صلى الله عليه وسلم لجابر (هلا بكرا تلاعبها وتلاعبك) ووصفت أعرابية زوجها وقد مات فقالت والله لقد كان ضحوكا إذا ولج سكيتا إذا خرج آكلا ما وجد غير مسائل عما فقد.
الرابع أن لا يتبسط في الدعابة وحسن الخلق والموافقة باتباع هواها إلى حد يفسد خلقها ويسقط بالكلية هيبته عندها بل يراعي الاعتدال فيه فلا يدع الهيبة والانقباض مهما رأى منكرا ولا يفتح باب المساعدة على المنكرات ألبتة بل مهما رأى ما يخالف الشرع والمروءة تنمر وامتعض قال الحسن (والله ما أصبح رجل يطيع امرأته فيما تهوى إلا كبه الله في النار) وقال عمر رضي الله عنه (خالفوا النساء فإن في خلافهن البركة) وقد قيل (شاوروهن وخالفوهن) وقد قال صلى الله عليه وسلم (تعس عبد الزوجة) وإنما قال ذلك لأنه إذا أطاعها في هواها فهو عبدها وقد تعس فإن الله ملكه المرأة فملكها نفسه فقد عكس الأمر وقلب القضية وأطاع الشيطان لما قال (ولآمرنهم فليغيرن خلق الله) إذ حق الرجل أن يكون متبوعا لا تابعا.
وقد سمى الله الرجال (قوامين على النساء) وسمى الزوج سيدا فقال تعالى (وألفيا سيدها لدى الباب) فإذا انقلب السيد مسخرا فقد (بدل نعمة الله كفرا) ونفس المرأة على مثال نفسك إن أرسلت عنانها قليلا جمحت بك طويلا وإن أرخيت عذارها فترا جذبتك ذراعا وإن كبحتها وشددت يدك عليها في محل الشدة ملكتها. قال الشافعي رضي الله عنه (ثلاثة إن أكرمتهم أهانوك وإن أهنتهم أكرموك المرأة والخادم والنبطي) أراد به إن محضت الإكرام ولم تمزج غلظك بلينك وفظاظتك برفقك. وكانت نساء العرب يعلمن بناتهن اختبار الأزواج وكانت المرأة تقول لابنتها اختبري زوجك قبل الإقدام والجراءة عليه انزعي زج رمحه فإن سكت فقطعي اللحم على ترسه فإن سكت فكسري العظام بسيفه فإن سكت فاجعلي الإكاف على ظهره وامتطيه فإنما هو حمارك.
وعلى الجملة فبالعدل قامت السموات والأرض فكل ما جاوز حده انعكس على ضده فينبغي أن تسلك سبيل الاقتصاد في المخالفة والموافقة وتتبع الحق في جميع ذلك لتسلم من شرهن فإن (كيدهن عظيم) وشرهن فاش والغالب عليهن سوء الخلق وركاكة العقل ولا يعتدل ذلك منهن إلا بنوع لطف ممزوج بسياسة. وقال صلى الله عليه وسلم (مثل المرأة الصالحة في النساء كمثل الغراب الأعصم بين مائة غراب) والاعصم يعني الأبيض البطن وفي وصية لقمان لابنه (يا بني اتق المرأة السوء فإنها تشيبك قبل الشيب واتق شرار النساء فإنهن لا يدعون إلى خير وكن من خيارهن على حذر.) وقال صلى الله عليه وسلم (استعيذوا من الفواقر الثلاث) وعد منهن المرأة السوء فإنها المشيبة قبل الشيب وفي لفظ آخر إن دخلت عليها سبتك وان غبت عنها خانتك. وقد قال صلى الله عليه وسلم في خيرات النساء (إنكن صواحبات يوسف) يعني أن صرفكن أبا بكر عن التقدم في الصلاة ميل منكن عن الحق إلى الهوى قال الله تعالى حين أفشين سر رسول الله صلى الله عليه وسلم (إن تتوبا إلى الله فقد صغت قلوبكما) أي مالت وقال ذلك في خير أزواجه والمرأتان عائشة وحفصة.
وقال صلى الله عليه وسلم (لا يفلح قوم تملكهم امرأة) وقد زبر عمر رضي الله عنه امرأته لما راجعته وقال ما أنت إلا لعبة في جانب البيت أن كانت لنا إليك حاجة وألا جلست كما أنت فأذن فيهن شر وفيهن ضعف فالسياسة والخشونة علاج الشر والمطايبة والرحمة علاج الضعف فالطبيب الحاذق هو الذي يقدر العلاج بقدر الداء فلينظر الرجل أولاإلى أخلاقها بالتجربة ثم ليعاملها بما يصلحها كما يقتضيه حالها الخامس الاعتدال في الغيرة وهو أن لا يتغافل عن مبادي الأمور التي تخشى غوائلها ولا يبالغ في إساءة الظن والتعنت وتجسس البواطن.
فقد نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم (أن تتبع عورات النساء) وفي لفظ آخر أن تبغت النساء ولما قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم من سفره قال قبل دخول المدينة (لا تطرقوا النساء ليلا فخالفه رجلان فسبقا فرأى كل واحد في منزله ما يكره) وفي الخبر المشهور المرأة كالضلع إن قومته كسرته فدعه تستمتع به على عوج) وهذا في تهذيب أخلاقها.
وقال صلى الله عليه وسلم (إن من الغيرة غيرة يبغضها الله عز وجل وهي غيرة الرجل على أهله من غير ريبة) لأن ذلك من سوء الظن الذي نهينا عنه فإن بعض الظن إثم وقال علي رضي الله عنه (لا تكثر الغيرة على أهلك فترمي بالسوء من أجلك) وأما الغيرة في محلها فلا بد منها وهي محمودة وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم (إن الله تعالى يغار والمؤمن يغار وغيرة الله تعالى أن يأتي الرجل المؤمن ما حرم الله عليه) وقال صلى الله عليه وسلم (أتعجبون من غيرة سعد أنا والله أغير منه والله أغير مني) ولأجل غيرة الله تعالى حرم الفواحش ما ظهر منها وما بطن ولا أحد أحب إليه العذر من الله ولذلك بعث المنذرين والمبشرين ولا أحد أحب إليه المدح من الله ولأجل ذلك وعد الجنة.
وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم (رأيت ليلة أسري بي في الجنة قصرا وبفنائه جارية فقلت لمن هذا القصر فقيل لعمر فأردت أن أنظر إليها فذكرت غيرتك يا عمر) فبكى عمر وقال (أعليك أغار يا رسول الله) وكان الحسن يقول أتدعون نساءكم ليزاحمن العلوج في الأسواق قبح الله من لا يغار. وقال عليه الصلاة والسلام (إن من الغيرة ما يحبه الله ومنها ما يبغضه الله ومن الخيلاء ما يحبه الله ومنها ما يبغضه الله فأما الغيرة التي يحبها الله فالغيرة في الريبة والغيرة التي يبغضها الله فالغيرة في غير ريبة والاختيال الذي يحبه الله اختيال الرجل بنفسه عند القتال وعند الصدمة والاختيال الذي يبغضه الله الاختيال في الباطل.)
وقال صلى الله عليه وسلم (إني لغيور وما من امرئ لا يغار إلا منكوس القلب) والظاهر أنه عبد الله بن الحنفية والطريق المغني عن الغيرة أن لا يدخل عليها الرجال وهي لا تخرج إلى الأسواق وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم (لابنته فاطمة عليها السلام أي شيء خير للمرأة قالت أن لا ترى رجلا ولا يراها رجل فضمها إليه وقال ذرية بعضها من بعض) فاستحسن قولها وكان أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم يسدون الكوى والثقب في الحيطان لئلا تطلع النسوان إلى الرجال ورأى معاذ امرأته تطلع في الكوة فضربها ورأى امرأته قد دفعت إلى غلامه تفاحة قد أكلت منها فضربها.
وقال عمر رضي الله عنه أعروا النساء يلزمن الحجال وإنما قال ذلك لأنهن لا يرغبن في الخروج في الهيئة الرثة وقال عودوا نساءكم لا وكان قد أذن رسول الله صلى الله عليه وسلم للنساء في حضور المسجد) والصواب الآن المنع إلا العجائز بل استصوب ذلك في زمان الصحابة حتى قالت عائشة رضي الله عنها لو علم النبي صلى الله عليه وسلم (ما أحدثت النساء بعده لمنعهن من الخروج) ولما قال ابن عمر قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (لاتمنعوا إماء الله مساجد الله فقال بعض ولده بلى والله لنمنعهن فضربه وغضب عليه وقال تسمعني أقول قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لا تمنعوا فتقول بلى) وإنما استجرأ على المخالفة لعلمه بتغير الزمان وإنما غضب عليه لإطلاقه اللفظ بالمخالفة ظاهرا من غير إظهار العذر.
وكذلك كان رسول الله صلى الله عليه وسلم قد أذن لهن في الأعياد خاصة أن يخرجن) ولكن لا يخرجن إلا برضا أزواجهن والخروج الآن مباح للمرأة العفيفة برضا زوجها ولكن القعود أسلم وينبغي أن لا تخرج إلا لمهم فإن الخروج للنظارات والأمور التي ليست مهمة تقدح في المروءة وربما تفضي إلى الفساد فإذا خرجت فينبغي أن تغض بصرها عن الرجال ولسنا نقول إن وجه الرجل في حقها عورة كوجه المرأة في حقه بل هو كوجه الصبي الأمرد في حق الرجل فيحرم النظر عند خوف الفتنة فقط فإن لم تكن فتنة فلا إذ لم يزل الرجال على ممر الزمان مكشوفي الوجوه والنساء يخرجن منتقبات ولو كان وجوه الرجال عورة في حق النساء لأمروا بالتنقب أو منعن من الخروج إلا لضرورة.
السادس الاعتدال في النفقة فلا ينبغي أن يقتر عليهن في الإنفاق ولا ينبغي أن يسرف بل يقتصد قال تعالى (وكلوا واشربوا ولا تسرفوا) وقال تعالى (ولا تجعل يدك مغلولة إلى عنقك ولا تبسطها كل البسط) وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (خيركم خيركم لأهله) وقال صلى الله عليه وسلم (دينار أنفقته في سبيل الله ودينار أنفقته في رقبة ودينار تصدقت به على مسكين ودينار أنفقته على أهلك أعظمها أجرا الذي أنفقته على أهلك.)
وقيل كان لعلي رضي الله عنه أربع نسوة فكان يشتري لكل واحدة في كل أربعة أيام لحما بدرهم، وقال الحسن رضي الله عنه كانوا في الرجال مخاصيب والإناث والثياب مجاديب، وقال ابن سيرين يستحب للرجل أن يعمل لأهله في كل جمعة فالوذجة وكأن الحلاوة وإن لم تكن من المهمات ولكن تركها بالكلية تقتير في العادة وينبغي أن يأمرها بالتصدق ببقايا الطعام وما يفسد لو ترك فهذا أقل درجات الخير وللمرأة أن تفعل ذلك بحكم الحال من غير صريح إذن من الزوج ولا ينبغي أن يستأثر عن أهله بمأكول طيب فلا يطعمهم منه فإن ذلك مما يوغر الصدور ويبعد عن المعاشرة بالمعروف فإن كان مزمعا على ذلك فليأكله بخفية بحيث لا يعرف أهله ولا ينبغي أن يصف عندهم طعاما ليس يريد إطعامهم إياه وإذا أكل فيقعد العيال كلهم على مائدته فقد قال سفيان رضي الله عنه بلغنا أن الله وملائكته يصلون على أهل بيت يأكلون جماعة.
وأهم ما يجب عليه مراعاته في الإنفاق أن يطعمها من الحلال ولا يدخل مداخل السوء لأجلها فإن ذلك جناية عليها لا مراعاة لها وقد أوردنا الأخبار الواردة في ذلك عند ذكر آفات النكاح السابع أن يتعلم المتزوج من علم الحيض وأحكامه ما يحترز به الاحتراز الواجب ويعلم زوجته أحكام الصلاة وما يقضى منها في الحيض وما لا يقضى فإنه أمر بأن يقيها النار بقوله تعالى قوا أنفسكم وأهليكم نارا فعليه أن يلقنها اعتقاد أهل السنة ويزيل عن قلبها كل بدعة إن استمعت إليها ويخوفها في الله إن تساهلت في أمر الدين ويعلمها من أحكام الحيض والاستحاضة ما تحتاج إليه وعلم الاستحاضة يطول فأما الذي لا بد من إرشاد النساء إليه في أمر الحيض بيان الصلوات التي تقضيها فإنها مهما انقطع دمها قبيل المغرب بمقدار ركعة فعليها قضاء الظهر والعصر وإذا انقطع قبل الصبح بمقدار ركعة فعليها قضاء المغرب والعشاء وهذا أقل ما يراعيه النساء فإن كان الرجل قائما بتعليمها فليس لها الخروج لسؤال العلماء وإن قصر علم الرجل ولكن ناب عنها في السؤال فأخبرها بجواب المفتي فليس لها خروج فإن لم يكن ذلك فلها الخروج للسؤال بل عليها ذلك ويعصى الرجل بمنعها ومهما تعلمت ما هو من الفرائض عليها فليس لها أن تخرج إلى مجلس ذكر ولا إلى تعلم فضل إلا برضاه ومهما أهملت المرأة حكما من أحكام الحيض والاستحاضة ولم يعلمها الرجل حرج الرجل معها وشاركها في الإثم الثامن إذا كان له نسوة فينبغي أن يعدل بينهن ولا يميل إلى بعضهن فإن خرج إلى سفر وأراد استصحاب واحدة أقرع بينهن كذلك كان يفعل رسول الله صلى الله عليه وسلم فإن ظلم امرأة بليلتها قضى لها فإن القضاء واجب عليه وعند ذلك يحتاج إلى معرفة أحكام القسم وذلك يطول ذكره.
وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (من كان له امراتان فمال إلى إحداهما دون الأخرى وفي لفظ ولم يعدل بينهما جاء يوم القيامة وأحد شقيه مائل) وإنما عليه العدل في العطاء والمبيت وأما في الحب والوقاع فذلك لا يدخل تحت الاختيار قال الله تعالى (ولن تستطيعوا أن تعدلوا بين النساء ولو حرصتم) أي أن تعدلوا في شهوة القلب وميل النفس ويتبع ذلك التفاوت في الوقاع وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم (يعدل بينهن في العطاء والبيتوتة في الليالي ويقول اللهم هذا جهدي فيما أملك ولا طاقة لي فيما تملك ولا أملك) يعني الحب وقد كانت عائشة رضي الله عنها أحب نسائه إليه وسائر نسائه يعرفن ذلك وكان يطاف به محمولا في مرضه في كل يوم وكل ليلة فيبيت عند كل واحدة منهن ويقول أين أنا غدا ففطنت لذلك امرأة منهن فقالت إنما يسأل عن يوم عائشة فقلن يا رسول الله قد أذنا لك أن تكون في بيت عائشة فإنه يشق عليك أن تحمل في كل ليلة فقال وقد رضيتن بذلك فقلن نعم قال فحولوني إلى بيت عائشة ومهما وهبت واحدة ليلتها لصاحبتها ورضي الزوج بذلك ثبت الحق لها.
كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقسم بين نسائه فقصد أن يطلق سودة بنت زمعة لما كبرت فوهبت ليلتها لعائشة وسألته أن يقرها على الزوجية حتى تحشر في زمرة نسائه فتركها وكان لا يقسم لها ويقسم لعائشة ليلتين ولسائر أزواجه ليلة ليلة ولكنه صلى الله عليه وسلم عدله وقوته كان إذا تاقت نفسه إلى واحدة من النساء في غير نوبتها فجامعها طاف في يومه أو ليلته على سائر نسائه فمن ذلك ما روي عن عائشة رضي الله عنها أن رسول الله صلى الله عليه وسلم (طاف على نسائه في ليلة واحدة) وعن أنس أنه صلى الله عليه وسلم طاف على تسع نسوة في ضحوة نهار ومهما وقع بينهما خصام ولم يلتئم أمرهما فإن كان من جانبهما جميعا أو من الرجل فلا تسلط الزوجة على زوجها ولا يقدر على إصلاحها فلا بد من حكمين أحدهما من أهله والآخر من أهلها لينظرا بينهما ويصلحا أمرهما إن يريدا إصلاحا يوفق الله بينهما وقد بعث عمر رضي الله عنه حكما إلى زوجين فعاد ولم يصلح أمرهما فعلاه بالدرة وقال إن الله تعالى (يقول إن يريدا إصلاحا يوفق الله بينهما) فعاد الرجل وأحسن النية وتلطف بهما فأصلح بينهما وإما إذا كان النشوز من المرأة خاصة (فالرجال قوامون على النساء) فله أن يؤدبها ويحملها على الطاعة قهرا وكذا إذا كانت تاركة للصلاة فله حملها على الصلاة قهرا ولكن ينبغي أن يتدرج في تأديبها وهو أن يقدم أولا الوعظ والتحذير والتخويف فإن لم ينجح ولاها ظهره في المضجع أو انفرد عنها بالفراش وهجرها وهو في البيت معها من ليلة إلى ثلاث ليال فإن لم ينجح ذلك فيها ضربها ضربا غير مبرح بحيث يؤلمها ولا يكسر لها عظما ولا يدمي لها جسم ولا يضرب وجهها فذلك منهي عنه.
وقد قيل لرسول الله صلى الله عليه وسلم ما حق المرأة على الرجل (قال يطعمها إذا طعم ويكسوها إذا اكتسى ولا يقبح الوجه ولا يضرب إلا ضربا غير مبرح ولا يهجرها إلا في المبيت) وله أن يغضب عليها ويهجرها في أمر من أمور الدين إلى عشر والى عشرين والى شهر فعل ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم إذ أرسل إلى زينب بهدية فردتها عليه فقالت له التي هو في بيتها لقد أقمأتك إذ ردت عليك هديتك حديث هجره صلى الله عليه وسلم نساءه شهرا لما أرسل بهدية إلى زينب فردتها فقالت له التي في بيتها لقد أقمأتك أي أذلتك واستصغرتك فقال صلى الله عليه وسلم أنتن أهون على الله أن تقمئنني ثم غضب عليهن كلهن شهرا إلى أن عاد إليهن.
العاشر في آداب الجماع ويستحب أن يبدأ باسم الله تعالى ويقرأ قل هو الله أحد أولا ويكبر ويهلل ويقول بسم الله العلي العظيم اللهم اجعلها ذرية طيبة إن كنت قدرت أن تخرج ذلك من صلبي وقال صلى الله عليه وسلم (لو أن أحدكم إذا أتى أهله
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://alyasser.mam9.com
 
كتاب آداب النكاح
الرجوع الى أعلى الصفحة 
صفحة 1 من اصل 1
 مواضيع مماثلة
-
» السحر الاسود من أشهر كتاب السحر الاسود كاتب سيد الطوخى وهو مصري الجنسيه كتب أكثر من 40 كتاب عن كيفيه
»  كتاب للعرق الضارب
» كتاب معجزة قل هو الله احد
» كتاب الحجار الكريمة
» كتاب الأذكار والدعوات

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
مملكة الياسر العظمة لعلوم الفلك والروحانيات Astronomy and Spirituality treat all kinds of magic :: الفئة الأولى :: إمام الأمة: محمد الغزالي-
انتقل الى:  
Place holder for NS4 only
pubacademy.ace.st--!>
pubacademy.ace.st--!>